Site icon IMLebanon

مصير المفقودين ينتظر الخبرات الخارجية ونصف الجثث مجهولة الهوية

كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “نداء الوطن”:

بمكانسهم الصغيرة حاول آلاف الشبان والشابات تنظيف شوارع بيروت ورفع ما أمكن من الأنقاض عنها، ومساعدة السكان المتضررين بقدر ما استطاعوا. جال هؤلاء بقدراتهم وخبراتهم البسيطة بين الركام وتحت الأبنية المهددة حجارتها وزجاجها بالوقوع في أية لحظة. فترِكوا بمفردهم، بلا مواكبة من الأجهزة الأمنية المعنية ومن دون أن تعرض عليهم خبراتها. وفي حين يتهم العديد من أهالي المفقودين السلطات بالإهمال وبالبطء في رفع الأنقاض التي يحتمل وجود احياء تحتها، يبرّر مصدر امني التأخير بضخامة حجم الانفجار، وبالدقة التي تتطلّبها عمليات البحث عن المفقودين تحتها. وأكد المصدر العسكري والأمين العام للصليب الأحمر كذلك جورج كتانة لـ”نداء الوطن” أنه وحتى مساء أمس، لم يتم سحب أي مفقود من تحت الأنقاض وأنهم عثروا على أشلاء فقط.

وفيما ينتظر أهالي المفقودين بأمل عودة أحبائهم أحياء، علت صرخة عائلة المفقود غسان حصروتي، متهمة المعنيين بالتأخير في عمليات البحث عنه على الرغم من إبلاغهم بمكان وجودهم في مبنى إهراءات القمح في المرفأ. وفي حديث إلى “نداء الوطن” يقول إيلي حصروتي، إبن المفقود، بأن العائلة تواصلت مع معنيين من مختلف الجهات للضغط من أجل البحث عن والده، “منهم من تذرع بعدم وجود آليات، آخرون قالوا بأن لا قرار بالبدء بالبحث في المكان، ثم قالوا لنا تصرفوا أنتم، ولم يبدأوا بالبحث حتى الساعة التاسعة من صباح الخميس، لا أعرف لماذا أخّروا البحث في هذه المنطقة”. وفي جملة تؤكد أن تبعات الفساد لن تستثني أحداً. يقول حصروتي: “كلنا ندفع الثمن، لم أكن أعتقد بأنني سأتضرر يوماً لكني اليوم أصبت بالصميم”.

من جهته ينفي مصدر عسكري لـ”نداء الوطن” أن يكون الجيش قد تأخّر في البدء بعمليات البحث عن المفقودين، ويكشف أنه من أصل 137 جثة عثر عليها تم التعرف على هوية 70 منها فقط. ويدعو الأهالي للتوجه إلى ثكنة الحلو حيث تجري الأجهزة الأمنية فحوصات الحمض النووي لأهالي المفقودين من أجل تحديد هوية الجثث المجهولة.

ووفق المصدر فإن حجم الانفجار والردم الناجم عنه يصعبان مهمة البحث عن مفقودين، “ففي حالة حصروتي ورفاقه فإن المبنى حيث يتوقع وجودهم، كبير والإمكانيات محدودة، نستعين بإمكانيات من دول مختلفة، وقد بدأ خبراء بالوصول إلى لبنان للمشاركة في عمليات الإنقاذ وبدأت المساعدات وكلاب متخصصة بالبحث بالوصول، وموعودون بالمزيد من المساعدات في ما خصّ مسألة الإنقاذ. فعمليات البحث تتطلب دقة أكثر طالما هناك أمل بوجود أحياء، عندما ينتفي الأمل يصبح البحث أسرع ولا يمكننا العمل بطريقة عشوائية”. ولدى سؤاله عن عدم مواكبة الجيش والأجهزة المعنية للمتطوعين في أعمالهم، في حين يتعرض هؤلاء للخطر ويعملون بخبرات وإمكانيات محدودة، يجيب المصدر العسكري بأنهم وضعوا مركز اتصال يمكن لمن شاء الاتصال عليه للتعاون مع الأجهزة الأمنية ولمواكبة من يطلب مساعدة، “عندما يبلغوننا نساعدهم” يقول المصدر، فحجم الانفجار ضخم ويتطلب ان تتضافر جهودنا”. ووفق المصدر لن يبادر المعنيون إذاً لمساعدة المتطوعين إلا في حال طلبوا المساعدة، على الرغم من أن جولة بسيطة على الأرض كفيلة بأن يدرك المعنيون، إن شاؤوا، نوع وحجم المساعدات المطلوبة والخبرات التي يحتاجها الشبان، أقله لحمايتهم من خطر الموت أثناء عملهم باللحم الحي للتعويض عن تقصير الدولة.

لدى سؤالهم عما يمكن لمكانسهم الصغيرة فعله وسط هذا الكم من الركام والخراب، يجيب متطوعان “نداء الوطن” بأنهما يحاولان القيام بما يستطيعانه في ظلّ غياب الجهات المعنية. ويأسف المتطوعان لعجزهما عن المساعدة في البحث عن المفقودين. مثلهما آلاف الشبان والشابات في شوارع بيروت يتنشّقون الهواء الملوث والغبار فيما يجلس المسؤولون عن الانفجار في قصورهم المكيفة. وقد عاد أمس بعض السكان وأصحاب المحال بجراحهم وضماداتهم إلى أملاكهم لإنقاذ ما تبقى. وقد أظهرت ردة فعل المتطوعين والكثير من المواطنين وعياً وقدرة على التعامل مع الأزمة فاقت قدرة الحكومة ومؤسسات الدولة، وبإمكاناتهم البسيطة. وكأنهم بذلك يثبتون بأن بيروت لا تحتاج إلى حكام كهؤلاء فهي أقدر على التعامل مع جراحها من دونهم. وعلى الرغم من الإنفجار، لم تشهد المنازل والمحال سرقات الأبنية. وفي حين غابت الأجهزة الامنية عن مشهد مساعدة الناس في رفع الأنقاض ظهرت في موقعها كحامية للسياسيين ومراقبة لردات فعل الناس وقامعة لغضبهم. فيما تحولت السيارات المتضررة التي غطاها الغبار للافتات تشتم المسؤولين وتطالب بتعليق مشانقهم لمحاسبتهم على جريمتهم.