IMLebanon

فرصة أخيرة.. هل يُنقذ الخارج لبنان أو السلطة؟

كتبت راكيل عتيّق في “الجمهورية”:

مِن رحم الدمار الذي أسقط ما تبقّى من مداميك صمود لدى لبنان، شعباً ودولة، تلوح فُرصة إنقاذ أخيرة قبل زوال البلد الذي يعرفه أهله والعالم. هَول الإنفجار الذي حطّم بيروت الثلاثاء انطلاقاً من مرفئها صِلة وصلها بالعالم وحركة تجارتها، جعل العالم كلّه يتأهّب لنجدة لبنان ومساعدته. سريعاً بدأت المساعدات تصل عبر مطار بيروت، طائرات تحمل محبة ودعماً وصموداً على كلّ مستويات المساعدات المطلوبة فوراً. لكن قدوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصياً وسريعاً الى لبنان، ليُعاين أضرار الإنفجار ويلتقي المسؤولين ويحمل مبادرة دعم، هي رسالة بحد ذاتها، شكلاً ومضموناً.

الى إعلان الدعم ومساعدة لبنان على تخطّي الأزمة الجديدة التي أرساها انفجار بيروت، أكد ماكرون أمس المُؤكّد: «نريد إصلاحات». وإذ جدّد الرئيس الفرنسي دعم «إجراء الإصلاحات في عدد من القطاعات، ومنها الطاقة والأسواق المالية ومكافحة الفساد…»، جزم بأنّ «هذه الإجراءات إذا لم تحصل سيُواصل لبنان انحداره».

بروتوكولياً، يعقد أيّ رئيس جمهورية ضيف في لبنان لقاءاته في القصر الجمهوري في بعبدا الذي يُصبح مركز استقبالاته. لكن قبل توجّهه الى القصر الجمهوري، تفقّد ماكرون موقع الإنفجار الذي حصل في مرفأ بيروت في 4 آب الجاري، ثمّ زار منطقة الجميزة حيث عايَن وجع البشر والحجر، وحرص على أن يقف ويستمع الى معاناة الناس ومطالبهم، قبل أن يلتقي المسؤولين وأصحاب القرار في الدولة وقيادات سياسية في قصر الصنوبر.

وعن قدوم ماكرون شخصياً وعلى وجه السرعة الى لبنان بعد يومين على وقوع الإنفجار، تقول مصادر مُطلعة إنّ «هذه الزيارة تُقرأ بأنّها تتمّ بإسم الإتحاد الأوروبي وبالتنسيق مع المجتمع الدولي بكامله، ومنه الولايات المتحدة الأميركية، إذ انهم لا يريدون للبنان أن يسقط. فعلى رغم أنّ الخارج كان يضيّق على لبنان لالتزام الشروط والإصلاحات المطلوبة، إلّا أنّه لن يتركه يُقتل بضربة قاضية على رأسه». وتؤكد أنّ «المجتمع الدولي يعلم أنّه إذا ترك لبنان بمفرده بعد انفجار بيروت فإنه سيسقط نهائياً، فحجم الكارثة والضرر كبيران جداً، ولم نعِ ضخامتهما بعد، القطاع الصحي سينهار من دون مساعدات سريعة وسيتفشّى وباء «كورونا» بنحوٍ سريع وواسع، مركز توزيع الأدوية الأساس في لبنان الموجود في الكرنتينا ضُرب، إهراءات القمح اختفت، والمرفأ منفذنا الى العالم وحركة تجارتنا منذ أيام الفينيقيين والورقة بيدنا على شاطئ المتوسط دُمّر، أمّا إعادة بنائه فتُكلّف عشرات ملايين الدولارات، فضلاً عن الخسائر الفادحة التي طاولت مؤسسات سياحية وتجارية ومنازل وأبنية…».

وتُلخّص هذه المصادر زيارة ماكرون بعنوان عريض: «نحن الى جانبكم ولن نترككم من دون مساعدات سريعة من طائرات وأدوية وفرق وخبراء.. لكن إذا كنتم تريدون أموالاً بمعزل عن انفجار بيروت فطريقكم الوحيد هو الإصلاح، وجدول الإصلاحات واضح ومعروف وحددناه لكم مئات المرات».

الإنفجار في مرفأ بيروت، يحيل بدوره الى فساد السلطة المُتعاقبة وإهمالها، وعدم إرسائها دولة القانون والمؤسسات، حيث أنّ لجنة موقتة تدير مرفأ بيروت منذ 20 عاماً بلا أيّ نظام قانوني للمرفأ. وتُشير مصادر مُطّلعة على اجتماعات مع جهات خارجية والمفاوضات مع الصندوق الدولي، الى أنّ الخارج يتابعنا عن كثب ولم يعد ممكناً أن «نتذاكى» عليه، وأنّ لبنان لن يتمكّن من الخروج من أزمته المتدحرجة منذ سنوات والتي أوصلتنا الى قعر الوادي، إذا لم يصبح دولة تطبّق القوانين التي تقرّها وتُحاسب على أساسها».

وتكشف أنّ تعيين مجلس إدارة شكلي لمؤسسة كهرباء لبنان، وهو مطلب إصلاحي داخلي وخارجي، لم يمرّ على المفاوضين من صندوق النقد، الذين قالوا مباشرة وبوضوح الى الجانب اللبناني: «عَيّنتم 6 أعضاء جُدداً وتركتم رئيس مجلس الإدارة، وهو الشخص الرئيس الذي واكبَ الأزمات والفساد منذ نحو 21 عاماً».

لكنّ الغرب، وتحديداً فرنسا، ألم يُشجّع السلطة على سياسة الهدر والفساد عبر مؤتمرات الدعم المتلاحقة منذ «باريس 1»؟

تقول مصادر نيابية واكبت هذه المؤتمرات إنّ «هذه النظرية غير صحيحة، إذ إنّ فرنسا ومنذ عهد الرئيس جاك شيراك طالبت لبنان بالإصلاح بل فَرضَته عليه؟ وعام 2000 قُبَيل «باريس 1» سُلّم لبنان دفتر شروط لإقرار التشريعات الضرورية. بعدها تحوّل مجلس النواب خلية عمل، وأُقرّت قوانين هيكلية عدة. وحين نُفذ دفتر شروط باريس 1 تشريعياً بمعظمه، عُقد «باريس 2» وأعطونا أموالاً على أساس أنّنا سنطبّق القوانين. أمّا باريس 3 فعُقد إثر التدمير الذي خلّفته حرب تموز 2006، كذلك حمل شروطاً إصلاحية».

وتشير المصادر نفسها الى «أزمات متلاحقة حصلت في المنطقة ولبنان من الدخول الأميركي الى العراق وتبدّل سياسة سوريا، الى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005 وحرب تموز عام 2006، فلم يكن هناك مجال للاتفاق الداخلي بين عامي 2003 و2008، وصولاً الى «اتفاق الدوحة». وبالتالي، إنّ الإصلاح الفعلي كان يُمكن تطبيقه في الأعوام الـ12 الأخيرة، لكنّ الطبقة السياسية فضّلت إغلاق مجلس النواب وتأخير تأليف الحكومات غارقةً في النزاعات على الكراسي والوزارات والمحاصصات والصفقات».

وتؤكد أنّ «هذه هي الفرصة الأخيرة للبنان الذي يتدحرج في الوادي، ويمدّ الخارج يده له. فهل سيمدّ لبنان يده بدوره ويلتقط الفرصة؟». وتقول إنّ «تغيير السلطة بيد الشعب اللبناني سلمياً أو بطُرق عنفية، وهو من يُنقذ هذه السلطة أو يسحب منها شرعيتها. أمّا ما يُمكن فرنسا أو الخارج أن يقوما به، فهو الضغط في اتجاه تغيير أداء هذه السلطة».

إنّ الاهتمام بلبنان وإنقاذه من الانهيار التام يأتي من عوامل عدة، تلخّصها مصادر ديبلوماسية كالآتي:

– لا حرب في لبنان الآن داخلية أو خارجية على أرضه.

– لبنان ليس سوريا أو اليمن وله امتدادات دولية ويربض على شاطئ المتوسط.

– ما يجري ليس بسبب الشعب اللبناني بل إنّ الشعب يرفضه. وانطلاقاً من ذلك حرصَ ماكرون على أن تكون زيارته رسالة تضامن مع الشعب اللبناني من جهة وحَضّ السلطة على التحرك من أجل العلاج من جهة ثانية. فهو يتضامن مع لبنان – المريض، ويصرخ على الطبيب – السُلطة الذي لا تُطبّبه.

– لبنان امتداد ثقافي بالمعنى الواسع للفرنكوفونية في الشرق، وتحرص فرنسا على عدم اضمحلال الدور الفرنسي الثقافي والتعليمي أمام المَد الأميركي واللغة الإنكليزية.

– الانهيار ليس من مصلحة أوروبا، لأنّه يؤثّر كثيراً على تدفّق اللاجئين اليها، حيث يوجد ملايين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين في لبنان.

– الفوضى في لبنان تُنعش المنظمات الإرهابية وتخدم «حزب الله».

– الحرص على عدم إحداث فوضى على حدود إسرائيل.