كتب مايز عبيد في صحيفة “بنداء الوطن”:
في الوقت الذي يتطلّع فيه المتابعون إلى الدور الذي من الممكن أن يؤدّيه مرفأ طرابلس في المرحلة المقبلة، أثار خبر منع الجمارك لعدد من السفن من تفريغ حمولتها في مرفأ طرابلس أمس تساؤلات عدّة حول إمكانية أن تكون الأدوار السياسية التعطيلية قد بدأت توضع في وجه هذا المرفأ، من مُنطلق حسابات سياسية ومناطقية.
فالإنفجار المُروّع الذي حصل في مرفأ بيروت، وأدّى إلى تدميره وتدمير محيطه وتعطّل حركة الملاحة فيه، فرضَ البحث الجدّي عن مرفأ بديل. وفي هذا الإطار، يفرض مرفأ طرابلس نفسه كأمرٍ واقع أمام الدولة، ليس حُبّاً بطرابلس وأهلها وتطوير هذه المدينة ودعم اقتصادها، إنما من باب تأمين حركة الملاحة، وعدم تعطيل حركة الإستيراد والتصدير. منذ سنوات، يجري الحديث عن ضرورة تطوير مرفأ طرابلس الموجود في مدينة الميناء، وتوسِعته بشكل أكبر، كي يواكب إعادة إعمار سوريا، فيكون منصّة لهذه الغاية. وقد شهد المرفأ في السنوات الأخيرة زيارات عدّة لمسؤولين صينيين وأوروبيين، وقيل ان العرب والروس أيضاً مهتمّون به لنفس الهدف.
في الإطار ذاته، شهد المرفأ أعمال توسعة لمنطقة الحاويات وهو قابل للتوسّع أيضاً ولديه مساحات مهمّة لذلك. وينقسم مرفأ طرابلس اليوم إلى قسمين: المرفأ القديم، ومحطة الحاويات. أما المرفأ القديم فهو مُتخصّص إلى حدّ كبير بالبضائع العامة، مثل الحديد والحبوب والسيارات والخردة، وغيرها من البضائع التي لا تأتي عبر الحاويات (كونتينر)، فيما منطقة الحاويات بإمكانها أن تستوعب أكثر من 300 ألف حاوية سنوياً. هذا مع الإشارة إلى أن مرفأ طرابلس لديه منطقة إقتصادية خاصة قابلة للإستخدام ( 500 ألف متر مربع) بعد التجهيز، وهو قادر على تأدية دور أكبر بكثير في المرحلة المقبلة، وعلى تغطية الدور الذي كان يضطلع فيه مرفأ بيروت، وذلك بحسب الخبراء في هذا المجال.
وبالرغم من أنّ مساحة مرفأ بيروت أكبر، وقُدرته التخزينية أعلى، وتتوافر فيه أعداد أكبر من الحاويات والرافعات، لكنّ تراجع الحركة الملاحية في لبنان خلال السنوات الماضية ولا سيما في سنة 2019 وما حصل منذ سنة 2020، وتراجع الإستيراد بسبب الأزمة المالية، واقتصارها على المواد الغذائية والأساسية، جعل مرفأ طرابلس أنشط وأقدر على تغطية العجز الملاحي الذي سبّبه مرفأ بيروت. وتشير المعلومات إلى أنّ “نحو 80% من استيراد لبنان كان يحصل عبر مرفأ بيروت والـ 20% المُتبقّية، كانت تحصل عبر مطار بيروت وباقي المرافئ. السبب في ذلك كان قراراً سياسياً بامتياز، غلّب مرفأ بيروت على باقي المرافئ وبالأخص طرابلس، نظراً لتداخل المصالح من جهة، وهيمنة فئة سياسية معروفة عليه لتسهيل التهرّب الجمركي الذي كان يحصل عبره لصالحها.
ويرى متابعون أن “ليس أمام الدولة الآن الكثير من الخيارات. فمرفأ طرابلس هو الخيار الوحيد، وهو القادر على تأدية دور مرفأ بيروت في انتظار إعادته إلى العمل مُجدّداً، وهي مسألة قد تتطلّب نحو سنتين على الأقلّ في حال تأمَّنت الأموال اللازمة لذلك. أما الحديث اليوم عن نية لدى النائب جبران باسيل بتحويل العمل الملاحي إلى مرفأي جونية وسلعاتا، فهذا أمر غير ممكن بحسب مُتابعين “لأنّ المرفأين المذكورين صغيران في المساحة، ولا إمكانيات لوجستية لديهما لتأمين هذه المهمّة في هذه المرحلة”.
كلّ التحليلات في السابق كانت تُشير إلى أنّ “حزب الله” يمنع مرفأ طرابلس من تأدية دوره، لأنّ لا إمكانية لوجستية ومناطقية لـ”الحزب”، وللإعتبارات الكثيرة المعروفة، للسيطرة على المرفأ كما يحصل في بيروت.
أبعد من السياسة العامة والإقليمية للبلد، وبينما تتداخل المصالح السياسية في كلّ مرافق الدولة، ثمة مصالح لسياسيّي طرابلس ضمن المرفأ، تجري مراعاتها من الدولة ومن إدارة المرفأ معاً.
تبقى الإشارة إلى أنّ تطوّر دور المرفأ بشكل أكبر في المرحلة المقبلة، قد يؤدّي إلى مزيد من التجاذب السياسي، وذلك من ضمن اللعبة المعروفة على الطريقة اللبنانية. ويرى مطّلعون “أن رئيس المرفأ أحمد تامر ليس محطّ إجماع كلّ الأطراف التي تُدير اللعبة السياسية في طرابلس، لأنّه تنقّل بالولاء بين أكثر من مرجع سياسي طرابلسي. لذلك، ستكون إدارة المرفأ نفسها محطّ تجاذب سياسي طرابلسي، ربّما يطيح بهذه الفرصة التي يحلم بها مرفأ طرابلس منذ زمن، ليؤدّي الدور المطلوب وحركته التجارية والإقتصادية الحقيقية، وذلك للضرورة الوطنية، وليس على قاعدة “مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد”.