كتبت غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”:
لا يمكن التكهّن بما دار في خلد الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون عندما التقى رؤساء الكتل النيابية والأحزاب اللبنانية في قصر الصنوبر، قد يكون أذهله التناقض الحاصل شبينهم، والذي يجمع بينهم. قد يكون تمعن بوجوههم لبرهة ولكنه أشاح برأسه مرات ومرات عندما رأى تلك الوجوه العابسة المبتسمة في آن معاً. أفصح اللقاء كأن اللبنانيين لم يعودوا قادرين على إيجاد قواسم مشتركة لحل خلافاتهم ومشاكلهم بأيديهم او أقله انهم غير قادرين على اعادة انتاج سلطة واعدة قادرة تستطيع ادارة أمورهم، وأن مأساة المرفأ كشفت عن مأساة اكبر وهي أن صيغ الحلول المحلية لم تعد متوافرة وان العجز المحلي بلغ حدّاً يفوق الوصف.
ما قاله ماكرون للسيدة التي طلبت عدم إعطاء المال “لسلطتها الفاسدة” بأن لا تقلقي، يعبر صراحة عن النظرة الفرنسية الواقعية ومن ورائها النظرة الغربية لفشل السلطات اللبنانية المتعاقبة، وان الغرب يعلم الكثير الكثير ومن هنا ان فرنسا استعادت فكرة تنظيم مؤتمر دولي لتأمين المساعدة المطلوبة للشعب اللبناني. والزيارة التي تؤكد التزام فرنسا بموقع لبنان وحيويته بالنسبة لمصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، فرنسا لن تقدم شيكاً على بياض للقادة الذين فقدوا ثقة شعبهم وقد قالها ماكرون بصراحة للقيادات اللبنانية، لا أحد يريد مساعدتكم ولا ثقة بكم والمطلوب من الحكومة الحالية تنفيذ الإصلاحات، معطياً مهلة حتى أيلول المقبل موعد عودته في زيارة ثانية وإلا سيكون لبنان امام واقع مختلف. حذر ماكرون القيادات من أنه من دون إصلاحات لا غذاء ولا دواء بعد ثلاثة أشهر. وعلم ان عدداً منهم طالبه بلجنة تحقيق دولية او بلجنة تحقيق لبنانية فرنسية لكارثة المرفأ لكنه لم يقدم جواباً حاسماً.
بين الامس واليوم حدثان سياسيان بارزان يرسمان معالم المرحلة المقبلة. زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي استبشر اللبنانيون مع مجيئه خيراً بالعودة مجدداً الى حضن الام الحنون. والاطلالة المرتقبة للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عصر اليوم. وإذا كان حديثه الذي كان مقرراً سابقاً يتمحور حول قرار المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري غداة النطق بالحكم، فإن حدثاً إضافياً فرض نفسه ليكون أساسياً في خطابه وهو الكارثة التي حلت بمرفأ بيروت. وكيف كان واضحاً الاستغلال السياسي الذي سارع أصحابه الى المناداة بلجنة تحقيق دولية من باب عدم الثقة بالقضاء اللبناني والحكومة وما الى هنالك. حتى حادثة الإهمال التي كان يفترض ان تطيح رؤوساً كبيرة فور وقوعها كان لـ”حزب الله” نصيبه منها من الاتهامات، التي شككت بوجود دور له في عملية الاحتفاظ بهذا الكمّ من المواد الخطيرة. اتهامات لم تكن بعيدة عن تصفية حسابات بالسياسة قبل أي اعتبار آخر. والأميركي الذي كان ولا يزال يرصد ردود الفعل اللبنانية هاله كما الآخين صمت “حزب الله”. بدا مؤكداً أن المطلوب جر “الحزب” وإستدراجه الى مواجهة والذهاب بلبنان الى طلب الحماية الدولية. حتى ان بعض المسؤولين لم يتوان عن استبعاد فرضية قيام إسرائيل بالإعتداء لعدم وجود مصلحة، بينما ذهب بفكره التحليلي الى حد اعتبار ان ما حصل يصب في مصلحة “حزب الله” للتغطية على قرار المحكمة الدولية. شكل تاريخ الرابع من آب تاريخاً مفصلياً في لبنان وزاد المشهد اللبناني تعقيداً وضبابية لكنه أفرج عن لبنان دولياً وعربياً وفك أسره. حيث لمسنا مع زيارة ماكرون إهتماماً سياسياً بلبنان مدخله إنساني. كان ماكرون واضحاً في تغريدته التي سبقت وصوله الى لبنان حيث دون بالعربية: “لبنان لن يترك وحيدا”. رسمت هذه الزيارة معالم جديدة للواقع اللبناني الذي كان على مشارف الذهاب شرقاً، فإذا بزيارة الرئيس الفرنسي تقول ان فرنسا لن تتخلى عن لبنان ولن تدعه يغرق في مستنقع الشرق. كان واضحاً وصريحاً أن زيارته لا تهدف لدعم حكومة أو نظام وانما الوقوف الى جانب شعب لبنان معلناً عن مبادرة سياسية. تقضي هذه المبادرة بدعوة القيادات السياسية الى حوار لبناني تستضيفه فرنسا والبحث في ضوئه بتشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة. إقتراح لن يكون التداول به بعيداً. اما بالنسبة الى الحكومة فكانت في أسوأ حالها قبل الرابع من آب واعطيت فترة سماح جديدة بينما كان المعنيون يعدون لائحة بأسماء بديلة، فيما إقتراح الانتخابات النيابية المبكرة ليس مستحيلاً وقد يشكل المنفذ الى الحل في المرحلة اللاحقة.
ويأتي هذا في وقت تحدثت معلومات عن أنّ المعاون السياسي لـ”حزب الله” الحاج حسين الخليل أجرى اتصالات مع كل من النواب بهية الحريري ونجيب ميقاتي وتمام سلام للتشاور معهم بشأن الأوضاع في ضوء ما تردد عن عزمهم تقديم استقالاتهم، خصوصاً بعد الاستقالة التي تقدم بها نائب “اللقاء الديمقراطي” مروان حمادة، فضلاً عن المعطيات التي تحدثت عن أنّ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري كان بصدد درس تقديم كتلته إستقالتها من البرلمان بناءً على تزكية من رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة. لا شك أن كارثة المرفأ فرضت معطى جديداً لا يمكن تجاوزه مع الحاجة الملحة الى تطور يحدث صدمة ايجابية. وموضوع الحكومة التي بات تغييرها عصياً وغير ممكن لصعوبة توافر البديل، يصبح ممكناً عند تدخّل فرنسا واقتناع “حزب الله” بأن الحكومة الراهنة غير ممكن إستمرارها وغير قادرة على العمل، وأنها باتت أمام امتحان جديد.
وتؤكد مصادر مواكبة ان ماكرون حضر مفوضاً من الاتحاد الاوروبي لإيجاد حل للأزمة اللبنانية وان ثمة قراراً بعودة فرنسا ليكون لها موطئ قدم في لبنان من جديد. وان موقفها تجاه لبنان يختلف عن موقف أميركا المراهن على تحقيق إنقلاب داخلي في وجه “حزب الله”، وهي باشرت فعلاً ذلك من بوابة استثمار كارثة المرفأ وقرار المحكمة الدولية المتوقع بعد أيام. بالأمس بلغ التوتر السياسي مداه مع المؤتمر السياسي لرئيس “الاشتراكي” والاتهامات المبطنة بحق “حزب الله” في جو ينذر أن الحرب بدأت تقرع طبولها، فهل يكون تدخل فرنسا منقذاً للبنان، وما هو الموقف الاميركي وأيضاً الروسي مما قاله واقترحه، لا سيما في الفترة الفاصلة عن الانتخابات الاميركية؟ سنراقب ونرى!