لم يحمل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورقة عمل متضمنة حلا للازمة اللبنانية المتجذرة. ولم يجمع القادة السياسيين ورؤساء الكتل النيابية ليبلغهم بخريطة طريق اعدتها فرنسا او الاتحاد الاوروبي او دول الغرب. هذا الانطباع الذي تكون لدى بعض اللبنانيين الذين يعلقون آمالهم على الدولة الصديقة و”الام الحنون”، خلال الساعات الثماني التي امضاها في بيروت، بددته المعلومات التي تسربت من داخل اجتماعه مع رؤساء الكتل النيابية والاحزاب السياسية في قصر الصنوبر، والتي حصلت “المركزية” على مضمونها. فالرئيس الذي ابدى كل تعاطف ومحبة وتضامن مع الشعب اللبناني ولم يتوانَ عن “توبيخ” السياسيين بقصد حثهم على اتخاذ الخطوات الضرورية لانقاذ وطنهم والخروج من مستنقع حروب الاخرين، لم تنقله الى بيروت خطة عمل اوروبية او فرنسية او مشروع انقاذي دولي، انما هول الانفجار الذي سوّى قلب لبنان بالارض وشتت ابناء العاصمة التي جابهت كل الحروب، فكان نصيبها ان تهدّم بإهمال المسؤولين المتعاقبين.
هذا حدود زيارة ماكرون، تكشف مصادر سياسية شاركت في اجتماعاته لـ”المركزية”، موضحة انها ذهبت في اتجاهات ثلاثة: اتجاه سلطوي بروتوكولي تمثل في الرسائل القاسية التي ابلغها الى المسؤولين واتجاه شعبي انساني تعاطفي من خلال تخصيص مساحة واسعة من زيارته القصيرة لبيروت للاستماع الى صرخات اللبنانيين الموجوعين في الجميزة ، واتجاه سياسي نحو زعماء الاحزاب ورؤساء الكتل النيابية لحثهم على الخروج من شرنقة الولاءات للخارج والسياسات الكيدية التي اسقطت الوطن.
ولعلّ الاهم في الزيارة، بحسب المصادر، انه جمع القادة والاركان السياسيين حول طاولة لم تجمعهم منذ زمن وحمّلهم مسؤولية ما اقترفت ايديهم وحثهم على التحاور والاستمرار به الى حين الخروج بحل انقاذي.
في لقاء قصر الصنوبر، لم يختلِ ماكرون مع اي من المشاركين ولا اظهر ميلا الى اراء اي منهم. دخل الى القاعة حيث انتظروه افرز نحو دقيقتين لا اكثر لكل مشارك للتعرف اليه عن كثب وتبادل اطراف الحديث حول وجهة نظره ثم عقد لقاء جامعا.
الى الطاولة، تقول المصادر، اجتمع هؤلاء، لكنهم انقسموا عموديا، تماما كانقسام البلد. فريق 14 وفريق 8 آذار. الاول ضم الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط والنائب تيمور جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل. قدم كل منهم عرضا سريعا فتقاطعوا عند المطالبة بلجنة تحقيق دولية في جريمة المرفأ، واثار الحريري وجعجع والجميل مسألة سلاح حزب الله وتداعياته على الوضع اللبناني، كل من وجهة نظره، فيما قارب جنبلاط الملف من زاوية اقليمية واسعة وانعكاس الصراع الاقليمي على البلاد.
فريق 8 اذار لا سيما النائب محمد رعد ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية دافعا كالعادة عن سلاح الحزب باعتباره حامي الوطن في مواجهة اسرائيل، في حين تحدث رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل في العموميات من دون ان يركز على موضوع محدد.
استمع ماكرون الى الطروحات وقال امام المجتمعين ما قاله امام الملأ ليس الا . لم يتحدث عن حكومة وحدة وطنية ولا عن عقد سياسي جديد. بدأ حديثه بإبداء تعاطفه مع الشعب اللبناني الصديق والعلاقات التاريخية التي تربط البلدين على المستويات كافة، ثم انتقل الى الحديث عن الازمة اللبنانية، مؤكدا ان مفتاح الحل في يد اللبنانيين وليس اي جهة خارجية وعلى المسؤولين السياسيين ان يبحثوا عن الحل والمخارج عبر افكار جديدة بعيدا من المنطق الانقسامي السائد الذي ادى الى انهيار البلاد. كرر ماكرون اللازمة الدولية “ساعدوا انفسكم لنساعدكم” ولا مساعدات من دون اصلاحات. لم يذهب الى اقتراحات عملية ولم يضع ورقة لمناقشته،ا فرئيس دبلوماسيته كان بالامس القريب في بيروت، ولو كان من ورقة لأحضرها معه بما ان ماكرون طار الى بيروت على عجل بسبب الانفجار. حتى حزب الله لم يتناوله الا بالقول ان اولويته ليست لبنانية من دون ان يتوجه الى النائب رعد حتى.
مختصر لقاء قصر الصنوبر، تختم المصادر، تحركوا ناقشوا عالجوا، توصلوا الى حل. لا يمكن ان تتسمروا في اماكنكم تتفرجون على لبنان الرسالة ينهار متلهين بمناكفاتكم وحفلة “تكسير الرؤوس”.