نزل آلاف اللبنانيين إلى الشارع السبت، للدعوة إلى محاسبة المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت، في وقت ينعقد الأحد مؤتمر باريس لمساعدة اللبنانيين على تجاوز المحنة دون إعطاء السلطة أي أمل في الحصول على دعم اقتصادي قبل تنفيذ الإصلاحات المطلوبة أولاً، وإجراء تحقيق شفاف في الكارثة.
مع ارتفاع عدد القتلى جراء الانفجار الذي هزّ العاصمة اللبنانية، مساء الثلثاء الماضي، إلى أكثر من 154 قتيلاً، وسط توقعات بارتفاع العدد وسط استمرار عمليات البحث عن 60 مفقوداً تحت الركام، ومع تكشف حقائق فظيعة حول علم مجمل المسؤولين في البلاد بوجود أطنان نترات الأمونيوم التي أدت إلى تلك الكارثة في مرفأ بيروت، لاسيما أن رئيس الجمهورية ميشال عون أقر، أمس الأول، أنه كان على علم بوجود تلك الكمية منذ فترة قصيرة إضافة إلى رفضه التحقيق الدولي، تداعى أمس الآلاف من اللبنانيين إلى ساحة الشهداء في بيروت، تحت شعارات “يوم الحساب” و”الغضب الساطع” و”علقوا المشانق”، من أجل المطالبة برحيل الطبقة السياسية ومحاسبة كل المسؤولين عن تلك المأساة التي حلت بالمدينة.
وأتت التحركات في الشارع على وقع توالي الاستقالات من مجلس النواب اللبناني وآخرها تقديم نواب حزب”الكتائب اللبنانية”(3 نواب) اضافة إلى النائبة بولا يعقوبيان استقالاتهم لينضموا إلى عضو كتلة اللقاء “الديمقراطي” النائب مروان حمادة الذي قدم استقالته يوم الثلاثاء الماضي.
وتساءلت مصادر متابعة عبر “الجريدة”، عن “كيفية تعامل رئيس مجلس النواب نبيه بري مع استقالات 5 نواب من البرلمان فهل يقبل بها وتذهب الحكومة باتجاه اجراء انتخابات نيابية فرعية أو تتريث السلطة بانتظار تطورات الأيام المقبلة؟”
وكان رئيس حزب «الكتائب اللبنانية»، النائب سامي الجميل أعلن أمس، بعد جنازة الأمين العام للحزب نزار نجاريان، استقالة نواب الحزب من البرلمان. ودعا خلال التشييع «كل الشرفاء إلى الاستقالة من مجلس النواب والذهاب فوراً إلى إعادة الأمانة للناس ليقرروا من يحكمهم من دون أن يفرض أحد عليهم أي أمر».
توازياً ومع تحرك الشارع في الداخل تتجه الأنظار اليوم إلى مؤتمر المانحين من أجل لبنان الذي دعا اليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي سيقام إلكترونياً.
وكشفت مصادر متابعة أن “الاجتماع يتمحور حول اربع اولويات: دعم للنظام الصحي، ودعم النظام التربوي، وإعادة تأهيل المباني المتضررة جراء الانفجار، والدعم الغذائي للبنان”.
وأشارت المصادر إلى أن “هذا الدعم الطارئ ومساعدات الإغاثة يجب أن تبقى منفصلة عن التعافي الاقتصادي والمالي للبنان، الذي يتطلب تطبيق الإصلاحات المرتقبة من الشعب اللبناني والمجتمع الدولي”. وسيسعى المؤتمر إلى الحصول على تعهدات مالية ومساعدات عينية من مشاركين أبرزهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أن يقرر المؤتمر كيفية توزيع المساعدات بحيث يستفيد منها الشعب مباشرة. وقالت المصادر، إن “كل الدول تبحث عن طرق جدية لإيصال المساعدات للبنانيين، من دون المرور عبر قنوات الدولة اللبنانية، بسبب انعدام الثقة بها وفي تعبير واضح لرفض تعويم السلطة أو منحها أي مساعدات”.
وقال مسؤول في قصر الاليزيه أمس إن مؤتمر المانحين «سيجمع أموالا لإعادة بناء بيروت وتقديم مساعدات غذائية، وبناء المدارس والمستشفيات وتوفير التجهيزات الطبية» فقط، مضيفاً ان ماكرون أبلغ ترامب بأن سياسات الضغط الأميركية يمكن أن يستغلها حزب الله.
وأشار المسؤول الى ان هناك أدلة كافية لاعتبار ما جرى في المرفأ حادثاً عرضياً.
وسط هذه الأجواء، يتوسع الاحتضان العربي والغربي للبنان في محنته ومع أن الدبلوماسيين الذين يتصلون ببيروت ويصلون إليها، يؤكدون أن دعمهم هو للشعب اللبناني لا للسلطة السياسية، فإن رئيس الجمهورية ميشال عون وجد فيها فرصة يجب استغلالها وقد قرأ فيها “فكّاً للحصار” على الحكومة.
وتلقى عون، مساء أمس الأول، اتصالاً من الرئيس ترامب الذي أكد وقوفه إلى “جانب لبنان في هذه الظروف”، مشيراً إلى أن “مساعدات عاجلة سترسل إلى لبنان للتضامن مع شعبه”. وقال ترامب إن “3 طائرات أميركية محملة بالمساعدات في طريقها إلى لبنان، على متنها أيضاً عاملون في مجال الصحة والإغاثة”. كما تلقى عون أمس اتصالاً هاتفياً من رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، أكد خلاله أن “بريطانيا مستعدة للتعاون من أجل دعم الشعب اللبناني، من خلال إرسال مساعدات عاجلة ومعدات طبية والمساهمة في إعادة إعمار المرفأ والمنازل المتضررة”.
كما أكد رئيس وزراء بريطانيا أن بلاده “سوف تعمل ما في وسعها بالاشتراك مع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا لتقديم ما يحتاجه لبنان حالياً، سواء بالنسبة الى إعادة إعمار المرفأ أو غيره من المنشآت”، مشيراً إلى أن بلاده “سوف تشارك في مؤتمر باريس”. وكان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، دعا أمس، إلى فتح” تحقيق شامل وشفاف يتعلق بالانفجار الدامي الذي وقع في المرفأ”.
في موازاة ذلك، ركّز كل من الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط ونائب الرئيس التركي فؤاد أوكتاي كما رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، الذين جالوا على المسؤولين اللبنانيين أمس، على الوقوف إلى جانب لبنان واللبنانيين، مؤكدين إرسال بلادهم مساعدات طبية واستشفائية وغذائية ومادية للمساعدة في أعمال الإغاثة والإنقاذ وفي رعاية مَن فقدوا منازلهم، مبدين استعداداً أيضاً للمساعدة في أعمال إعادة الإعمار وفي التحقيقات.
وقال المسؤول الأوروبي بوضوح من بعبدا: “لستم لوحدكم والاتحاد الأوروبي معكم بالأفعال لا الأقوال، وهناك نية وتأكيدات على مساعدة لبنان بإعادة الاعمار”، داعياً في الموازاة “إلى الشفافية والإصلاحات”. وقال أوكتاي بعد لقائه الرئيس عون، إن “تركيا مستعدة أيضاً لإعادة إنشاء وبناء مرفأ بيروت من جديد، وتقديم المساعدة أيضاً لجهة تخصيص ميناء مرسين التركي القريب من بيروت للفاعليات التجارية الكبيرة، الى حين إعادة إعمار مرفأ بيروت، كالجمارك والتخزين وما إلى ذلك، ومن ثم نقل البضائع والسلع من هناك بواسطة بواخر صغيرة إلى ما تبقى من ميناء بيروت أو غيره من الموانئ اللبنانية الأخرى”.
في موازاة ذلك، لا يزال التفتيش عن ناجين او أشلاء، مستمراً لاسيما في منطقة “الإهراءات” في منطقة “المرفأ”.
وأعلنت وزارة الصحة أمس، أن “أكثر من ستين مفقوداً ما زال مصيرهم مجهولاً في وقت اعلنت السفارة السورية في لبنان، أمس، أن “43 سورياً على الأقل لقوا حتفهم في الانفجار” أي ما يعادل حوالي ربع إجمالي القتلى.
وشرح قائد فوج المجوقل العميد الركن جان نهرا خلال جولة للصحافيين داخل المرفأ، امس، كيفية التفتيش عن جثث الشهداء داخل الإهراءات.
وردّ بعد ذلك على أسئلة الصحافيين، مشيراً إلى “وجود مفقودين حتى الساعة، وأن جميع العناصر كانت تعمل في شكل حرفي”.
في المقابل، لم تهدأ حركة الطائرات المحملة بالمساعدات الطبية والاستشفائية والغذائية والعينية في مطار بيروت. وأعلن وزير النفط العراقي إحسان عبدالجبار، الذي يرأس وفد بلاده إلى لبنان، أن “15 طبيباً عراقياً من اختصاصات جراحية مختلفة وصلوا إلى بيروت ضمن الوفد، وشرعوا بالقيام بمهامهم”. وأشار الوزير العراقي إلى أن “بغداد أرسلت أيضاً دفعات من زيت الغاز إلى بيروت”.
إلى ذلك، كشفت مصادر أمنية، امس، أن ما جرى حتى أمس من توقيفات شملت مدير المرفأ حسن قريطم ومدير عام الجمارك الحالي بدري ضاهر والسابق شفيق مرعي لا تكفي للتعبير عما هو مطلوب من لجنة التحقيق. فتوقيفهم مرتبط بجانب مما شهده لبنان وأن التهمة الموجهة إليهم تتصل بكيفة الاحتفاظ بكمية من المواد الخطيرة سنوات عدة في مرفأ بيروت وعدم حمايتها أو إبعادها عن أي مصدر من مصادر الخطر”.
وأضافت: “وبالتالي، فإنها توقيفات إدارية روتينية لا تمت بصلة إلى المطلوب من لجنة التحقيق لجهة تحديد الأسباب التي أت إلى انفجار كمية من المواد المتفجرة والظروف التي أدت الى تفجيرها دفعة واحدة لتتسبب بما تسببت به”.
وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية د. مازن شندب في اتصال مع «الجريدة» إن الاستقالات السياسية والدبلوماسية في لبنان تذكّر بالربيع العربي والانشقاقات التي حصلت في بعض الدول مثل ليبيا ومصر، مشيراً الى «وجود غرفة استراتيجية دولية تعمل في الملف اللبناني».
وإذ اعتبر أن «الاستقالات التي رأيناها وفي معظمها مسيحية، هي سياسية ومعنوية نظراً إلى أن الانفجار وقع في الجزء الشرقي من بيروت، أي المناطق المسيحية من العاصمة اللبنانية»، استبعد شندب حل البرلمان «لأن الدستور يقول إنه خلال شهرين ستحصل انتخابات نيابة جديدة، لا أن يتم حل البرلمان نظراً لعدم وجود نص دستوري في هذا الموضوع»، موضحاً أن «هذه الاستقالات من الممكن أن تؤدّي إلى استقالات مسيحية أخرى ضمن كتل نيابية».
وربط شندب «المسعى الفرنسي، الذي جاء بتوكيل دولي وهو ما أدى إلى المؤتمر الدولي لدعم لبنان، بتدويل المسألة عبر مجلس الأمن»، مضيفاً أن «المؤتمر سيمنح بدوره مشروعية لأي تدخّل دولي معيّن بلبنان، وثمة قرار نهائي بتغيير قواعد اللعبة في لبنان لمحاصرة حزب الله».
وأعرب عن قلقه من «موجة تفجيرات جديدة قد يشهدها لبنان، وأنا أرى سيناريو اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري يتكرر اليوم. فاغتيال الحريري أخرج الجيش السوري من لبنان، والسؤال اليوم: هل اغتيال مرفأ بيروت سيخرج حزب الله من لبنان، بالمعنى السياسي؟».