كتب عمر حبنجر في صحيفة “الأنباء الكويتية”:
هل تولد الثورة من رحم الانفجار، من «يوم الانتقام»، كما سمّته المجموعات الثورية المنتسبة الى انتفاضة 17 تشرين الأول؟
يبدو انها كذلك فقد تفجر غضب اللبنانيين أمس واقتحمت مجموعة من المتظاهرين بينهم عسكريون متقاعدون مقر وزارة الخارجية في محلة الأشرفية في شرق بيروت، معلنين اتخاذه «مقرا للثورة».
فوق ركام عاصمتهم التي حولها الانفجار الكبير في المرفأ إلى ساحة خراب وأسفر عن نحو 160 قتيلا وآلاف الجرحى، فجَّر اللبنانيون جام غضبهم في «يوم الحساب» أمس، حيث توافدوا بالآلاف ومن مختلف المناطق، رافعين لافتة كبيرة ضمت أسماء الذين قضوا في الانفجار. وسرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى مواجهات مع القوى الأمنية في محيط البرلمان أسفرت عن وقوع عشرات الجرحى، وأطلق الشبان الحجارة على عناصر الأمن الذين ردوا بإطلاق القنابل المسيلة للدموع في محاولة لتفريقهم.
وردد المتظاهرون شعارات عدة بينها «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«انتقام انتقام حتى يسقط النظام»، و«بالروح بالدم نفديك يا بيروت»، كما رفعت في مواقع عدة وسط بيروت مشانق رمزية، دلالة على الرغبة في الاقتصاص من المسؤولين عن التفجير. وأحرق المتظاهرون صور الرئيس العماد ميشال عون، واقتحم العشرات منهم بدعوة من عسكريين متقاعدين مقر وزارة الخارجية في الأشرفية شرق بيروت، معلنين اتخاذه «مقرا للثورة»، كما اقتحموا مقرات وزارات الاقتصاد والبيئة والطاقة وأحرقوا جمعية المصارف اللبنانية، قبل أن يتدخل الجيش لإعادة الأمور إلى نصابها.
وقال المتحدث باسمهم العميد المتقاعد سامي رماح للصحافيين في بيان تلاه «من مقر وزارة الخارجية الذي اتخذناه مقرا للثورة، نطلق النداء إلى الشعب اللبناني المقهور للنزول إلى الساحات والمطالبة بمحاكمة كل الفاسدين».
وضمت المجموعة نحو 200 متظاهر اقتحموا باحة الوزارة ثم مبناها، حيث انتزعوا صورة لرئيس الجمهورية ميشال عون وأقدموا على حرقها في الخارج أمام عدسات وسائل الإعلام وبعد الخارجية اقتحم المحتجون وزارات الاقتصاد والبيئة والطاقة وأحرفوا مبنى جمعية المصارف.
وعلى وقع الاحتجاجات التي اجتاحت بيروت، دعا رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب، إلى انتخابات مبكرة كطريق لخروج بلاده من الأزمات الحادة وحالة الاحتقان السياسي الراهنة. وقال دياب – في كلمة تلفزيونية – إنه مستعد لتحمل مسؤولية رئاسة الحكومة لمدة شهرين لحين اتفاق القوى السياسية اللبنانية على الإصلاحات اللازمة التي من شأنها إنقاذ لبنان. وأشار إلى أنه سيطرح خلال اجتماع مجلس الوزراء الذي سيعقد غدا الاثنين مشروع قانون لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، مضيفا: «مأساة لبنان كبيرة وتتطلب قرارات استثنائية». وهذا يؤكد ما توقعته مصادر متابعة لـ «الأنباء» من تغييرات سياسية كبرى في غضون الشهرين المقبلين، حيث ستشكل جبهة وطنية في الشارع بقيادة سياسية منتقاة تضم في الطليعة النواب الذين أعلنوا استقالتهم من «مجلس الفراغ والعجز»، وستكون موجة جارفة.
وبالعودة إلى احتجاجات «سبت الحساب»، توافد آلاف المتظاهرين الناقمين على السلطة السياسية إلى وسط العاصمة مطالبين بمعاقبة المسؤولين عن التفجير الضخم في مرفأ بيروت الذي حوَّل عاصمتهم إلى ساحة خراب، وأسفر عن نحو 160 قتيلا وآلاف الجرحى. وتوافد المتظاهرون تباعا إلى وسط بيروت آتين من مناطق عدة وسط اجراءات أمنية مشددة، وانطلقت مسيرة حاشدة من شارع مار مخايل المتضرر بشدة إلى وسط بيروت، رافعين لافتة كبيرة ضمت أسماء قتلى الانفجار.
وسرعان ما سجلت مواجهات بين القوى الأمنية ومحتجين في طريق مؤد إلى مدخل البرلمان، وأطلق الشبان الحجارة على عناصر الأمن الذين ردوا بإطلاق القنابل المسيلة للدموع في محاولة لتفريقهم.
وردد المتظاهرون شعارات عدة بينها «الشعب يريد اسقاط النظام»، و«انتقام انتقام حتى يسقط النظام»، و«بالروح بالدم نفديك يا بيروت»، كما رفعت في مواقع عدة في وسط بيروت مشانق رمزية دلالة على الرغبة في الاقتصاص من المسؤولين عن التفجير.
وحسب توصيف العميد جورج نادر، احد قياديي هيئة الإنقاذ الوطني التي تضم متقاعدي الجيش والمؤسسات الأمنية- والذي قال في تسجيل صوتي موجّه الى المتقاعدين وكل الثورة، تلقت «الأنباء» نسخة منه-: «خلص الحزن، خلص البكاء، خلص الدفن، وجاء يوم الغضب، الغضب على هذه السلطة التي جوعت البلد وقمعتها وتسببت بدمار بيروت، عاصمتنا، وشردت اهلها وقتلتهم وجرحتهم. هذه السلطة يجب ان تسقط في سبت المحاسبة، وقد علقنا المشانق في ساحة الشهداء».
وختم نادر بالقول: «ندائي الى كل العسكريين المتقاعدين، الى كل ثوار 17 تشرين الأول، الى كل المشردين، هيا لاقتحام منازل الوزراء والنواب، والقصر الجمهوري ومجلس النواب والسراي الحكومي، لنقعد المشردين مكانهم..».
ويرفض المحتجون اعتبار ما حصل قضاء وقدرا، أو تحميل المسؤولية لعمال التلحيم، في ظل عدم استبعاد الخبراء ان يكون الحادث مفتعلا، الأمر الذي يتجاهله المسؤولون، ومن خلفهم حزب الله، تماما كما يحصل في الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سورية وحتى في ايران.
في المقابل، بكَّرت الحكومة في حشدها لقوات مكافحة الشغب في محيط ساحتي الشهداء ورياض الصلح، وعلى أساس ان هناك منع تجول اعتبارا من 6 مساء.
الحدث السياسي امس تمثّل باستقالة نواب حزب الكتائب: سامي الجميل، نديم الجميل والياس حنكش، وقد انضمت اليهم بالاستقالة النائبة الثورية بولا يعقوبيان، حيث مشى النواب الأربعة على خطى نائب الشوف مروان حمادة، وسبقهم وزير الخارجية ناصيف حتّي، وسفيرة لبنان في الأردن تريسي داني شمعون احتجاجا على الانهيار الذي بلغته الدولة في ظل الطبقة الحاكمة. وقالت الوزيرة السابقة مي شدياق ان حزب القوات اللبنانية وضع استقالة نوابه الـ 15 على بساط البحث وسنبقى في صفوف المعارضة.
لكن رئيس القوات اللبنانية د.سمير جعجع قال خلال جولته في شارع ساسين في الأشرفية: استقالاتنا جاهزة في جيوبنا منذ 18 تشرين الأول وسنضعها موقع التنفيذ الفعلي عند التأكد من أنها ستؤدي إلى انتخابات نيابية عامة مبكرة، ولن نترك لهم مسرح مجلس النواب، واشار الى التحضير لتوقيع عريضة نيابية تطالب المجلس بجلسة خاصة لمناقشة انفجار المرفأ.
بدوره، أعلن نائب زحلة ميشال ضاهر امس انسحابه من كتلة التغيير والإصلاح بسبب فشلها في تطبيق شعاراتها.
وفي تشييع الأمين العام لحزب الكتائب نزار نجاريان الذي قضى بالانفجار وهو داخل مكتبه، أعلن رئيس الكتائب سامي الجميل استقالة نواب الكتائب ونزع ورقة التين عن هذه السلطة، داعيا اللبنانيين بمختلف طوائفهم الى التوحد من أجل السيادة، كما دعا كل الشرفاء في الدولة الى الاستقالة.
على المستوى السياسي، رفضت مصادر المعارضة اللبنانية مقولة ان زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون واتصال الرئيس الأميركي دونالد ترامب واتصالات التعزية من الرؤساء العرب والأجانب، فكّت الحصار عن السلطة اللبنانية، كما قال الرئيس عون، ويقول النائب السابق انطوان زهرة: الحصار لم يسقط، بل نحن في حالة اغاثة وليس ما حصل فكا للحصار عن السلطة.
الأحداث المتسارعة حدّت من الاهتمام بخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، لكن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط علَّق على نفي نصرالله علاقة حزبه بالمرفأ والكارثة التي حلّت به، فقال: ان هناك علاقة غامضة بين حزب الله وسلطات الدولة اللبنانية، وأضاف جنبلاط لـ «العربية»: هل يعقل ان حزب الله ليس معه خبر؟ لست مقتنعا برواية حسن نصرالله.