كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:
زاد رئيس الحكومة المستقيل حسّان دياب على سجّله وسيرته الذاتية حدثاً لم يكن يحلم به سيدخله كتب التاريخ من بابه العريض، سيكتب التاريخ انه في عهد حكومة دياب وقع ثاني أكبر إنفجار في العالم بعد هيروشيما وهو إنفجار مرفأ بيروت.
من يعرف شخصية دياب، يعلم أنه نرجسيّ إلى أقصى حدّ، أتى بعد إعصار ثورة 17 تشرين ورحل بإنفجار العصر وتدمير العاصمة بيروت وأجزاء من الضواحي، نعم، فدياب قد يستفيد من هذا الحدث مثل رئيس الجمهورية ميشال عون والسيد حسن نصرالله، لكن كلّ على طريقته، فعون ونصرالله رأيا في الحادث مناسبةً لفك الحصار عنهما، أما دياب فسيُدخل هذا التفجير في كتاب إنجازاته.
بعد أن وصلت نسبة إنجازات حكومته إلى 97 في المئة كما أعلنها مراراً وتكراراً، طفح الكوب وقفز عدّاد الإنجازات إلى المليون في المئة وليس المئة في المئة بعد إنفجار المرفأ، وقد سالت دماء الشعب على الأرض وروت بيروت وكل لبنان، مع تأكيدات جهاز أمن الدولة أن عون ودياب كانا على علم بوجود مادة نيترات الأمونيوم في المرفأ وبأنها قد تنفجر في أي لحظة.
لكن مهلاً، لا يمكن التركيز على زلزال المرفأ ونسيان بقية إنجازات حكومة دياب، فمن ينسى وزير التربية طارق المجذوب الذي وبعد تأليف الحكومة نزل شخصياً إلى المصرف لسحب الأموال، كما أنه ردّ على طفلة وصعد إلى منزلها لأنها طالبت بتوسيع أيام العطلة، ومن منكم ينسى مآثر وزير داخليته محمد فهمي الذي تفاخر علناً بأنه قتل رجلين في الحرب وحماه العماد عون، في حين أن الوزير السابق وئام وهّاب فضح قوته بالتوسط لدى وفيق صفا لحذف تغريداته التي تطاله، كما أن وهاب تحدّث عن أن فهمي الذي تمسك بالكرسي لآخر نفس، كان يأكل “السحسوح” من رستم غزالي، وهذا بشهادة وهّاب.
لكن أيضاً لا يمكن أخذ إنجازات حكومة دياب بالمفرّق، بل يجب أن تؤخذ بالجملة، فالحكومة التي أتت واعتبرت أنها تمثّل الثورة فُضحت بشكل سريع وتبيّن انها تمثّل أحزاب وتيارات 8 آذار والعهد، وشهدت محاصصة سريعة أعادت إحياء تقاسم السلطة والنفوذ بدل الشروع بالإصلاحات. فقد استلمت الحكومة البلاد والدولار على عتبة 2000 ليرة وسلّمت زمام الحكم والدولار وصل إلى 8 آلاف ليرة.
والأهم من هذا كله، أن الشعب المنتفض طالب بإصلاح القضاء ليكون مدخلاً للتحقيق في ملفات الفساد، لكن ما حصل أن وزيرة العدل ماري كلود نجم والعهد أوقفا التشكيلات القضائية التي قام بها القاضي سهيل عبود، ليشكّل هذا الأمر أكبر ضربة لمصداقيته وينهي علّة وجوده.
ولعلّ تكبير دياب الحجر في معركة إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أعطى ردّ فعل عكسياً، خصوصاً مع التأكّد من أن الهدف ليس الإصلاح في مالية الدولة والنظام المصرفي بل من أجل أن يأتي عوني وقريب من “حزب الله” على رأس مصرف لبنان، عندها كانت ستقع المصيبة الكبرى بفرض عقوبات لا يحتملها لبنان.
ولا يمكن وصف تعاطي الحكومة مع الملف المالي والمصرفي إلا بالتخبط القاتل، حيث لم تستطع توحيد أرقام الخسائر مع مصرف لبنان، وحينما كان لبنان بأمس الحاجة إلى دعم دولي فشلت الحكومة في التفاوض مع صندوق النقد الدولي لأن “حزب الله” لا يريد هذا الامر.
ولم تستطع حكومة دياب وضع ملف إصلاح الكهرباء على السكة، لا بل ذهبت أكثر من ذلك بكثير بحيث نفذت أوامر النائب جبران باسيل بتسيير معمل سلعاتا، وفي حين كان لبنان يعاني من أزمة مالية قررت الحكومة السير بمشروع سدّ بسري الذي تفوح منه روائح الفساد.
لا يمكن الوقوف عند إخفاق واحد في سجلّ الحكومة، فتعاملها في البداية مع قضية “الكورونا” لم يكن على قدر المسؤولية، والوزير حمد حسن كان يرفض إقفال المطار لأن “حزب الله” يرفض ذلك ولأنه لا يمكن إغضاب إيران، وبعد تزايد أعداد الإصابات تم إغلاق البلاد وأقرت مساعدة 400 ألف ليرة للعائلة المحتاجة، لكن لم تصل إلى مستحقيها، في حين أن وزير الصحة الذي قال في اللحظات الأولى لإنفجار المرفأ أن مستودعاً للألعاب النارية إنفجر، ورقص رقصة الإنتصار على “كورونا” كان شاهداً على إنهيار النظام الصحي في لبنان وإدخال الدواء الإيراني غير الخاضع للمعايير الدولية، مما يكمل مسلسل إنجازات الحكومة صحياً بعدما تفشى “كورونا” مجدداً.
وتطول جردة إنجازات الحكومة، خصوصاً مع موجة الغلاء وعدم قدرة وزارة الإقتصاد على ضبط جشع التجار، وتحوّلت الحكومة إلى شاهد زور وعدم قيامها بأي خطوة لضبط التهريب مع علم الجميع أن الطحين والمازوت والادوية المدعومة وبعض السلع الأساسية كانت تهرّب إلى سوريا لإنقاذ نظام الأسد، كل ذلك حصل وسط غرق البلاد بالعتمة وتفاقم أزمة المازوت وإستنزاف إحتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة ووصول الاسعار إلى حدود جنونية.
والأهم من كل هذا، أن دياب “هشّل” كل محاولة مساعدة خارجية، فهو أنّب وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان الذي دعاه إلى القيام بإصلاحات، من ثمّ خرّب مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي، وقرّرت حكومة دياب تغيير وجه لبنان بالإتجاه شرقاً وقطع علاقاته مع الغرب والعرب، وسط معارضة داخلية للقضاء على لبنان وأخذه رهينة إيران، في وقت لم يقم بأي زيارة دولية مهمة، وقد اتّضح أن الصين من أقل الدول التي ساعدت لبنان بعد التفجير، فيما هبت فرنسا وأوروبا وأميركا والدول العربية لنجدتنا.
كل ما ذكر هو محاولة إضاءة على تصرفات الحكومة، فصحيح أنها لا تتحمّل تراكمات السنوات الماضية لكن دياب ووزراءه كمن يمنع الجريح من الوصول إلى المستشفى بحجة انه يريد مداواته وهو لا يعلم شيئاً بالطب، وما كلام الرئيس إيمانويل ماكرون وإصرار الدول المانحة على مساعدة لبنان مباشرةً إلا مضبطة إتهام بحق دياب والعهد والمنظومة الحاكمة، ودليل على عجزهم وفسادهم وقتلهم الشعب وتشريده في تفجير العصر.