IMLebanon

لبنان سيبقى معزولاً بهذه الحال

كتب حسين عبد الحسين في “الراي الكويتية”:

لم يكد الرئيس اللبناني ميشال عون وفريقه، ينعمان بالفرصة السياسية الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت، الذي استدر عطف العالم واستدعى زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان واتصال الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعون وتقديمه له وعوداً بمساعدات إنسانية، حتى تبين أن المساعدة الدولية تساهم في المزيد من العزلة الدولية للبنان وحكامه، وتساهم في تكريس الشروط الدولية المالية والسياسية التي يفرضها العالم، مجتمعاً، على بيروت.

وبعد اتصال وتنسيق بين واشنطن وباريس، سبقا زيارة ماكرون، تابع الأميركيون تأييد خطوات الرئيس الفرنسي، فأعلنوا مساهمتهم مالياً في المساعدات التي تم جمعها في المؤتمر الدولي الذي انعقد عبر الإنترنت أول من أمس. لكن المساعدات لم تأتِ على حجم طموحات لبنان، إذ هي اقتصرت على 298 مليون دولار فقط، مساهمة واشنطن فيها 15 مليوناً، وتضمنت مساعدات عينية، مثل قيام وزارة الدفاع بتقديم 300 ألف وجبة غذاء للمحتاجين من بين اللبنانيين المتضررين من انفجار الثلاثاء الماضي.

ويمكن فهم السياسة الأميركية المستجدة تجاه لبنان بالنظر الى هوية المسؤولين الذين أعلنت ايفادهما الى بيروت. الأول جون بورسا، وهو مدير في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو اس آي ايه دي)، وهذه وكالة ذات ميزانية سنوية تبلغ 27 مليار دولار. لكن هذه الوكالة محظور عليها دعم أي حكومات أو وكالات حكومية حول العالم، بل أن مساعداتها ودعمها ينحصران بالتعامل مع المنظمات غير الحكومية.

أما الأموال الدولية الضخمة التي يحتاجها للبنان لوقف تدهور اقتصاده وقيمة عملته الوطنية، مثل مبلغ 11 مليار دولار التي كان خصصها العالم للبنان في «مؤتمر سيدر»، على شرط قيامه بإصلاحات إدارية وحكومية معينة، ومثلها قرض صندوق النقد الدولي الذي يشترط إصلاحات مماثلة، فهي أموال لا تزال مجمدة إلى حين قيام بيروت بالإصلاحات المنشودة، وهو الموقف الذي كرره الصندوق في بيانه الأحد، وهو ما يعني أن عون شارك في مؤتمر لدعم لبنان، اقتصر حصول بلاده فيه على أقل من 300 مليون دولار فقط… ورغم هذه الملايين، سمع عون انعدام ثقة العالم – بمن فيه ماكرون وترامب – بالسلطة، وإصراره على تقديم المساعدات بشكل مباشر الى الشعب ومن دون المرور بالدولة ومؤسساتها.

المسؤول الأميركي الثاني الذي سيصل بيروت غداً، في زيارة قد يتم إلغاؤها في اللحظة الأخيرة، هو الرجل الثالث في وزارة الخارجية ديفيد هيل، وهو سبق أن عمل في مراكز ديبلوماسية متعددة في لبنان كانت آخرها منصب سفير، ولديه علاقات بالسياسيين اللبنانيين تعود الى عقود.

ويعزو العارفون في العاصمة الأميركية الى هيل قيامه بهندسة عملية انتخاب عون رئيساً، وكان ذلك في الزمن الذي كان يشهد تقارباً بين واشنطن وطهران.

لكن الظروف تغيرت اليوم، والمطلوب من هيل محاولة التوصل مع عون وبقية المسؤولين اللبنانيين الى «النظام السياسي» الجديد الذي تحدّث عنه ماكرون أثناء زيارته لبيروت، وهو نظام مبني على مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي، القاضي بـ«حياد لبنان الإيجابي».

والحياد الإيجابي يعني ابتعاد لبنان عن كل الصراعات الإقليمية، وفي طليعتها الصراع العربي – الإسرائيلي، ولكن من دون توقيع أي سلام مع الدولة العبرية، ومع التزام لبنان مواقف الجامعة العربية حول السلام، والقاضية بحل الدولتين حسب مبادرة بيروت للسلام التي أقرتها الجامعة في العام 2002.

وتتضمن مبادرة البطريرك الماروني حصر استخدام العنف بالدولة، أي حل الذراع العسكرية لـ«حزب الله» ونقل ترسانته الى الجيش، وتطويع مقاتليه في القوى الأمنية الرسمية، مع تحول الحزب الى حزب ذات تمثيل سياسي حصريا مع كتل برلمانية ووزارية.

أما موضوع إصلاح مؤسسات الدولة، فيجري بإشراف أممي دولي، بما في ذلك إشراف الأمم المتحدة على إقامة انتخابات برلمانية نزيهة وعادلة.

أما في حال رفضت بيروت ومعها «حزب الله» المبادرة الدولية لتغيير جذري وإصلاح مؤسساتي، فإن المجتمع الدولي سيواصل تمسكه بالعزلة المفروضة على لبنان وحكومته، ومعها يتواصل الانهيار الاقتصادي، وهو ما يتطلب استعداداً دولياً لمواصلة تقديم الدعم الإنساني للبنانيين، ولكنه سيكون دعماً مبنياً على تجربة الدعم من خارج الحكومة الجاري تقديمه على اثر انفجار بيروت.

العنوان الرئيسي في تحرك ماكرون تجاه لبنان، ومعه التحرك الأميركي الداعم، صار يبدو أنه مبنياً على إدراك أن المطلوب هو تغيير جذري، وأنه لن يعود الغرب لدعم لبنان بناء على شفقة على ناسه أو مخافة انفراط عقد دولته وتدفق اللاجئين من أراضيه الى أوروبا.

أما الأزمة الإنسانية الناجمة عن بقاء الوضع كما هو عليه، فسيتم التعامل معها، وفقاً لما يقوم به ماكرون اليوم، لتخفيف المأساة فحسب من دون المرور بالدولة، ومن دون تقديم أي فجوات يمكن للحكومة أن تعود من خلالها الى المجتمع الدولي بلا تغيير فعلي وجذري أو إصلاح.

ما الذي سيسمعه هيل في بيروت؟ وهل تختار دولة لبنان طريق العودة الى المجتمع الدولي أو البقاء معزولة مع الإبقاء على صيغة «دولة المقاومة» الحالية؟ كلها أسئلة ينتظر المسؤولون في واشنطن، وباريس وبقية عواصم القرار في العالم، إجابات عنها قد يسمعها المسؤول الأميركي خلال زيارته لبيروت.