استمرّت التحقيقات بالتفجير الذي وقع الثلاثاء الماضي في مرفأ بيروت وحوّل العاصمة اللبنانية إلى مدينة منكوبة تحطّمت على أبنائها الذين قضى منهم نحو 160 وجُرح أكثر من 6 آلاف آخرين.
وفيما كانت الأنظار على خلاصات ما توصلت إليه لجنة التحقيق «الإداري» التي شكّلها مجلس الوزراء حول المسؤوليات الإدارية عن التفجير ربْطاً بمسار دخول باخرة «روسوس» (يملكها روسي) مرفأ بيروت في أكتوبر 2013 محمّلة بـ2750 طناً منذ نيترات الأمونيوم وإبقاء هذه القنبلة الموقوتة مخزّنة في العنبر رقم 12 حتى وقوع «بيروتشيما»، فإن هذا الملف اتخذ منحى قضائياً جديداً مع إحالته من الحكومة أمس (بناء على طلب رئيس الجمهورية) قبيل استقالة رئيسها حسان دياب، على المجلس العدلي (أعلى هيئة قضائية وأحكامه مبرمة) الذي سينتظر لوضع يده على القضية تعيين (وزير العدل بناءً على موافقة مجلس القضاء الأعلى) قاضٍ ليقوم بوظيفة قاضي التحقيق (المحقق العدلي).
وفي موازاة المعنى السياسي – القضائي لإحالة أكبر جريمة يشهدها لبنان بتفجيرٍ صَعَقَ الكرة الأرضية على «العدلي»، فإن هذا الملف كان شهد قبل ساعات قليلة، ترْك رئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا رهن التحقيق بإشارة من المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري بعد جلسة استجواب امتدّت لساعات «على أن تتمّ متابعة التحقيق تباعاً»، وسط تقارير تحدّثت عن أن سماع صليبا تركّز على أداء الجهاز منذ اكتشافه أواخر 2019 تخزين الأمونيوم، وأخرى أكدت أنّ مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات سيستمع إلى إفادات وزراء الأشغال السابقين لإكمال الصورة في ما خص المسؤوليات عن مسألة التخزين وما رافق عملية تلحيم الفجوة (التي كانت في المستودع) قبيل الانفجار وكيفية وصول ما وصفتْه صحيفة «الأخبار» «مكونات قنبلة ضخمة» بعدما أظهرت إفادات الموقوفين وجود فتائل تفجير ومفرقعات نارية وبارود وبراميل مواد دهانات إلى جانب نيترات الأمونيوم.
وفي حين أبقي على توقيف مسؤولين كبار في المرفأ بينهم مديره حسن قريطم ومدير عام الجمارك بدري ضاهر وسَلَفه شفيق مرعي حول الإهمال في الملف، لم تُحسم بعد في شكل نهائي طبيعة الانفجار وملابسات وقوعه، وسط تسريباتٍ في بيروت عن أن كل الفرضيات ما زالت مطروحة من «خطأ بشري» أفضى إلى فعل غير مقصود أو عمل متعمّد.
وإذ تحدثت تقارير عن أنّ النيابة العامة التمييزية طلبتْ التحقّق من احتمالِ قيام الطيران الإسرائيلي بهجومٍ من الأجواء اللبنانية على موقع الانفجار بعد رصْدِ تحليقٍ لهذا الطيران في سماء الجنوب بالتزامن مع الحَدَث المزلزل وأنها تلقت إجابات استبعدتْ أن تكون صواريخ أطلقت من الجنوب باتجاه المرفأ، أشارت معلومات أخرى إلى أن القضاء طلب أيضاً تأكيداً من الأقمار الاصطناعية الأميركية حول إذا كانت رصدت أي هجوم صاروخي على المرفأ أو أي أمر مُشابه. علماً أن الرئيس ميشال عون كان طالب من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي بتزويد بيروت بالصور الجوية كي تتمكن من أن «تحدد إذا كانت هناك طائرات في الأجواء أو صواريخ».
وفي حين تركّز التحقيقات في جانبٍ منها على درْس إذا كانت هناك مواد أخرى غير نيترات الأمونيوم موجودة في ساحة الانفجار ومحيطه في ظل مساعدة تقنية يقدّمها فريق فرنسي، زار السفير الفرنسي برونو فوشيه، موقع الانفجار لمواكبة عمل أعضاء الشرطة الجنائيّة الفرنسيّة، بحضور القاضي عويدات.
ونشر فوشيه عدداً من الصور على حسابه عبر «تويتر» وعلق عليها بالآتي: «الشرطة العلمية الفرنسية لدعم التحقيق القضائي الحالي – زيارة الى مكان الانفجار مع المدعي العام القاضي عويدات – فجوة بقطر أكثر من 100 متر على الرصيف رقم 9 – غرفة التحكم في الاهراءات… 22 من ضباط الشرطة الفرنسيين يعملون على الأرض».
وفي موازاة ذلك، عادت قضية مقتل العقيد المتقاعد في الجمارك جوزف سكاف قبل أكثر من 3 أعوام إلى الواجهة، مع نشر نجله «بوست» على «انستغرام»، جاء فيه أنه «في مارس 2017 تمّ ارتكاب جريمة بحقّ العقيد سكاف، الذي لم يسقط كما قيل (عن علو 3 أمتار بزلّة) قدم». وأضاف: «العقيد هوجم بوحشيّة، وقُتل أمام منزله».
وختم سكاف: «القضية لم تُقفل، والعائلة تنتظر تحقيقاً جدياً منذ 3 سنوات، ونطالب بتحقيق جدي وشفاف لكشف ملابسات الجريمة». وكان العقيد سكاف وجّه، كما أوردت وسائل إعلام عدة في الأيام الماضية، رسالة في فبراير 2014 (كان لا يزال في الخدمة) إلى «مصلحة التدقيق والبحث عن التهريب» التابعة لوزارة المال، وطالب فيها بـ«إبعاد الباخرة Rhosus» إلى خارج الرصيف 11 في مرفأ بيروت، وطالب بوضعها تحت الرقابة.