كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
قد يكون من المبكر الحديث عن المرحلة التي ستلي استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، وما إذا كانت الطريق إلى تأليف الحكومة معبدة، أم انها ستكون وعرة، وبالتالي يطول أمد تصريف الأعمال، لكن ما هو متوافر من معلومات إلى الآن، فإن القوى السياسية ترى ان الأولوية راهناً ستكون لمسألة اختيار رئيس قادر على تشكيل حكومة فاعلة وقادرة على إنقاذ البلد، وان يكون الرئيس العتيد للحكومة الجديدة قادرا على الحصول على دعم عربي ودولي.
صحيح أن من بين الأسباب التي أدت إلى عدم تحديد مواعيد سريعة لعملية الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس الذي سيكلف بتأليف الحكومة، هو زحمة الموفدين العرب والأجانب الذين كانوا قد حجزوا مواعيد لهم على أجندة المسؤولين اللبنانيين قبل استقالة الحكومة، غير ان هناك سبباً آخر ربما يكون أكثر أهمية وهو الرغبة في اجراء المزيد من المشاورات السياسية الداخلية ومع بعض الدول المعنية بالملف اللبناني، قبل الولوج في الاستشارات النيابية والدخول في كباش سياسي في ظل أوضاع صعبة وعدم قدرة لبنان على تحمل الفراغ مُـدّة طويلة، وسط انهيار في الوضع الاقتصادي ومخاوف كبيرة من ارتفاع منسوب المصابين بفيروس كورونا، إضافة إلى المخاوف من المخاطر التي قد تتأتى من البوابة الجنوبية نتيجة الاحتقان الكبير الموجود على الحدود بين إسرائيل من جهة و«حزب الله» من جهة ثانية.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه الدخول الفرنسي على خط الأزمة في لبنان من زاوية المبادرة الإنسانية التي قام بها الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون بعد الانفجار الكبير الذي حصل في المرفأ وخلف ما خلفه من خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وكأنه الضوء في العتمة الدولية التي تظلل لبنان، فإن مصادر سياسية عليمة ترى في الدور الفرنسي عاملاً ايجابيا لكنه غير كافٍ لمعالجة الأزمة اللبنانية من مختلف جوانبها حيث ان القوى السياسية تتعاطى مع استقالة الحكومة وتأليف حكومة ثانية بذات الذهنية السابقة وكأن لا انهيار اقتصادياً، ولا كارثة أصابت العاصمة والضواحي، ولا تعثر في عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ولا تعثر أيضاً في التفاوض حول الحدود البحرية.
لكن هذه المصادر ترى ان تأليف الحكومة من الممكن ان يكون سريعاً في حال حصلت ضغوط دولية في هذا الاتجاه، خصوصاً وأن هناك في ما يبدو تفاهماً اميركياً – فرنسياً حول لبنان، إذ ان الرئيس ماكرون جاء إلى بيروت ناطقاً باسم أميركا وأوروبا على حدّ سواء من دون ان يعني ذلك ان باريس في صدد تحرير شيك على بياض من الأميركيين في لبنان، فالمطالب التي حملها الرئيس الفرنسي ودعا إلى الحصول على اجابات حولها مع بداية ايلول المقبل حيث سيزور لبنان في الذكرى المئوية للبنان الكبير، هي مطالب منسقة مع البيت الأبيض وأبرزها قيام حكومة حيادية أو حكومة وحدة وطنية تكون قادرة على تحقيق رزمة الإصلاحات المطلوبة من لبنان لفتح الأبواب الدولية امام المساعدات المالية، والدفع باتجاه إخراج لبنان من ازمته الاقتصادية والنقدية.
وفي تقدير المصادر انه حتى ولو كانت واشنطن قد فوضت باريس للإمساك بالملف اللبناني لكنها ستبقي اعينها على لبنان، ومجيء ديفيد هيل في اليومين المقبلين دليل واضح على ان الأميركي والفرنسي سيرسمان حدوداً لدور كل منهما في لبنان، لجهة أين الدور الأميركي يبدأ، واين ينتهي الدور الفرنسي، وإن كانت فرنسا ستبقى هي في الواجهة لأن الرئيس الأميركي وادارته مشغولان في التحضيرات الجارية للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في الخريف المقبل.
وتؤكد هذه المصادر ان تحديد مواعيد للاستشارات النيابية هو رهن الاتصالات التي ستجري في اليومين المقبلين، فإذا كانت مناخات هذه الاتصالات إيجابية كانت مواعيد الاستشارات سريعة، وفي حال برزت معوقات فإن ذلك ربما يستغرق اسابيع على غرار ما حصل في أعقاب استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري الأخيرة.
وحول شكل الحكومة تؤكد المصادر السياسية ان هذا الموضوع بدأ الشغل عليه فور استقالة حكومة الرئيس دياب وربما قبل ذلك، غير ان هذه المرة سيكون هناك معطى دولي مؤثر في هذه العملية للمجيء بحكومة معقولة تبعث الأمل في ان تكون قادرة على إنجاز الإصلاحات والوصول بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلى خواتيم سعيدة، ومن هنا بدأ يطرح اسم السفير نواف سلام الذي هو في الأصل يسارياً، إلى جانب اسم الرئيس سعد الحريري حيث يحظى الأوّل بتأييد كامل من الادارتين الأميركية والفرنسية وعدم رفض من الدول العربية لا سيما المملكة العربية السعودية، لكن وصول سلام إلى السراي يحتاج إلى مشاورات واتصالات فوق العادة بين القوى السياسية لأنه سبق وطرح اسم نواف سلام سابقاً ووضعت حوله الكثير من الفيتوات وعلامات الاستفهام وقد أدى ذلك إلى عدم تسميته لرئاسة الحكومة.
وتميل المصادر إلى إمكانية ان تتبدد المواقف تجاه السفير سلام بفعل الظروف التي يمر بها لبنان حيث ان سلام لديه تأييداً اميركياً وفرنسياً كما ان لديه علاقات دولية ودورا في الأمم المتحدة أحوج ما يكون لهما لبنان في هذه المرحلة، لكن المصادر ذاتها لا تغفل الصراع الأميركي – الإيراني والسعودي الإيراني في إمكانية ان يؤثر نوعاً ما على عملية تأليف الحكومة الا إذا حصلت معطيات دولية جديدة بددت المناخات الموجودة بين هذه الدول بما ينعكس إيجاباً على الواقع اللبناني.