Site icon IMLebanon

نهاية الحكومة.. لا عزاء ولا من يحزنون

كتب نجم الهاشم في صحيفة “نداء الوطن”:

لم يكن إعلان الرئيس حسّان دياب استقالة حكومته مساء العاشر من آب الحالي إلا بمثابة إعلان وفاة حكومة وُلدت ميتة. انفجار العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت في 4 آب دمّر الحكومة أيضاً. كما كانت ولادتها في 21 كانون الثاني باهتة، كذلك كانت وفاتها. تذهب إلى مثواها الأخير من دون مراسم دفن، وحتّى من دون تقبّل التعازي. بدت في رحيلها وكأنّها مقطوعة من شجرة، لا أهل لها ولا أقارب، ولا من يحزنون عليها.

حسناً فعل الرئيس حسّان دياب وسائر وزراء الحكومة. قاموا بما هو مطلوب منهم خير قيام، وقادوا البلد إلى الإنهيار، بينما اعتبروا أنّهم أتوا من أجل مهمّة “مقدّسة” لإنقاذه. توهّموا أنّهم يستطيعون، ولكن في الواقع كانوا عاجزين ويتحرّكون في الفراغ ويراكمون الفشل.

ذُبِح من بيت أبيه

عندما تمّ تكليف دياب تشكيل الحكومة في 19 كانون الأول 2019 بأكثرية 69 نائباً من نوّاب تحالف “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ”، لم يُدرك أنّ الذين كلّفوه وأتوا به قد يقدّمونه ضحيّة عندما يحين الوقت. وعندما شكّل الحكومة في 21 كانون الثاني 2020 لم يتوقّع طبعاً أن تؤيّده قوى 14 آذار المتفرّقة التي اتفقت على عدم تسميته. تصوّر أنه سيتمكّن من أن يُمارس الحكم. كان مجرد أداة في يد من كلّفوه وشكّلوا له الحكومة التي وقّع على مراسيمها. هاجم وواجه الذين عارضوه واتّهمهم بارتكاب المعاصي، وحمّلهم مسؤولية تفشيله والإنهيار الذي تراكم منذ ثلاثين عاماً، ولكنّه في النهاية ذُبِح من بيت أبيه. بعد تشكيل الحكومة أعطي دياب فترة سماح. لم يتمّ قطع الطريق على نيل حكومته الثقة في مجلس النواب، ولكنّ الطريق الذي مشت عليه الحكومة كان يؤدّي حتماً إلى الخراب. وكأنّه كان مطلوباً منها أن تفشل.

بعد ثورة 17 تشرين واستقالة حكومة الرئيس سعد الحريري تحت ضغط الشارع، وأمام عدم تسمية “القوات اللبنانية” له، وأمام رفض قوى تحالف “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ” الذهاب إلى حكومة حيادية مستقلّة برئاسة السفير نوّاف سلام، كان خيار دياب هو المُمكن الوحيد. تجربة لتقطيع الوقت. نجاحه كان يعني نجاح خيار حكومة المواجهة والممانعة، وسقوطه كان يعني سقوط هذا الخيار والعودة إلى مربّع الحكومة المستقلّة الحيادية وإلى طرح اسم نوّاف سلام. إعلان استقالة حكومته لم يكن خسارة له وحده، بل لمن سمّاه وكلّفه واختاره وسمى وزراءه. بعد حسّان دياب لم تعد هناك أسماء لدى “حزب الله” يمكن أن تقبل تشكيل أي حكومة. سقوط حكومة دياب كرّس قاعدة حكمت سائر الحكومات التي شكّلها “حزب الله” وعهد الوصاية السورية. من حكومة الرئيس سليم الحص في العام 1998 إلى حكومة الرئيس عمر كرامي في العام 2004 إلى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2013.

الخطيئة التي لا تُغتفر

دعوة حسّان دياب يوم السبت 9 آب الحالي إلى حلّ مجلس النواب وإجراء انتخابات نيابية مبكرة للخروج من الأزمة التي يمرّ بها لبنان، والتي تفاقمت بعد حادثة الانفجار الهائل الذي دمّر مرفأ بيروت، لم تكن إلا الحجّة الظاهرة للعيان. تحدّث عن “إنتاج طبقة سياسية جديدة ومجلس نيابي جديد”، وعن أنّه سيضع هذه المسألة على جدول أعمال مجلس الوزراء. نظرياً يُمكن أن يُعلن دياب مثل هذا الأمر. ولكن عملياً لا يمكنه أن يُمرّره في مجلس الوزراء إذا لم يكن التحالف الذي أتى به موافقاً عليه. ربّما أخذوا عليه أنّه كان متهوّراً في هذا الطرح، وأنّه لم يسشترهم مُسبقاً. انتهت مدة مخدوميته، فوجد نفسه وحيداً. قرأ كتاب استقالته وخرج من الواجهة التي وضعوه فيها ولكنّه لن يعود. سقط في التجربة والممارسة، ولا يكفيه أن يُكتب اسمه وتوضع صورته بين صور رؤساء الحكومة لأنّ هذه التجربة ستكون عنواناً لفشل لا يمكنه أن يُخرِج صورته منه.

يقال أنّ خلافاً حصل بين دياب ورئيس “التيار الوطني الحرّ” المهندس جبران باسيل بعد جلسة تعيينات المحافظين في 10 حزيران الماضي، وكان القشّة التي قصمت ظهر العلاقة بينهما أكثر ممّا كانت مقصومة. أراد دياب أن يأخذ من صلاحيات محافظ بيروت (المسيحي) لصالح رئيس البلدية (السنّي) بحجّة أنّ جزءاً من صلاحيات محافظ جبل لبنان (السنّي) ستذهب إلى محافظ كسروان وجبيل الجديد (المسيحي). كان دياب واقعاً تحت ضغط طائفته التي لم تعطه ثقتها وبركتها. قيل له إنّ المسألة لا تستحقّ كل ذلك على خلفية أنّ محافظ البقاع (المسيحي) فقد سابقاً من دوره بعد إنشاء محافظة بعلبك الهرمل وتعيين محافظ (علوي) لها. بدا وكأنّه يعترض على ما كان يسمّيه “جشع جبران باسيل”. في المُقابل، يُقال أنّ باسيل أبلغ وسيطاً بينه وبين دياب بأنّ “دياب خلص. انتهى”. صار جبران مش طايق حسان.

استطلاع صادم

كان يُمكن أن يُترك دياب ليطرح اقتراح إجراء الإنتخابات النيابية المبكرة، وأن يتمّ إسقاطه بالتصويت داخل مجلس الوزراء، ولكن يبدو أنّ قرار التخلّص من الحكومة كان قد اتّخذ. اعتبر رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنّ دياب مدّ يده على مملكته الخاصة. هذا الطرح كان خطيئة لا تُغتفر. لقد أجرت جهات قريبة من مِحور تحالف قوى 8 آذار إستطلاعاً انتخابياً أظهر أنه إذا جرت الإنتخابات المبكرة على أساس القانون الحالي سيكون جبران باسيل الخاسر الأكبر بحيث يمكن أن يفقد خمسة أو ستة نواب غير الذين تركوه وخرجوا من التكتّل التابع له. وأظهر الإستطلاع أيضاً أنّ الرئيس بري قد يخسر عدداً من النواب وأنّ “القوات اللبنانية” ستزيد حصّتها النيابية بمعدّل خمسة نواب أو أكثر، وأنّ الرئيس سعد الحريري سيستعيد المقاعد التي خسرها في انتخابات 2018، وبالتالي سيُتيح هذا الأمر عودة الأكثرية النيابية إلى قوى 14 آذار حتى لو لم تتحالف في الإنتخابات وتشكّل جبهة سياسية واحدة. سارع الرئيس بري إلى الإعلان عن جلسة لمساءلة الحكومة يوم الخميس 13 آب الحالي. حاول “حزب الله” أن يعيد ترتيب الأمور، ولكنّ الرئيس بري لم يتجاوب. جرت محاولة من اللواء عباس ابراهيم مدير عام الأمن العام، ولكنّها لم تنجح. في حسابات الربح والخسارة، تبيّن أنّ طرح الثقة بالحكومة يمكن أن يطيحها على أساس أن الرئيس بري يمون على نواب الحزب السوري القومي الإجتماعي وعلى نواب تيار “المردة” وأنّ الحكومة ستسقط إذا تمّ طرح الثقة بها.

الحصار والسقوط

شعر حسّان دياب أنه وحيد ومحاصر. حتى الوزراء الذين كان يحسبهم عليه تركوه. الدكتور دميانوس قطار مثلاً ووزير “اللقاء التشاوري” طلال حوّاط. تهديد وزراء محسوبين على الوزير باسيل بالإستقالة كان إشارة إضافية. لم يبقَ أمامه إلّا خيار إعلان استقالته حتى لا تتمّ إقالته. قريبون منه يعتبرون أنه ضيّع فرصاً كثيرة كان بإمكانه أن يلتقطها، ولكنّه لم يكن إلا مجرّد واجهة لغيره وليس سيّد قراره. تنازل عن كل ّشيء عندما قبل التكليف وفي التأليف، ولم يعد بإمكانه أن يطالب بشيء. انتهى مستسلماً كما بدأ مستسلماً. دخل دياب إلى السراي مقيماً دائماً مُعتقداً أنّ إقامته ستمتدّ حتى نهاية العهد، ولكنّه وجد نفسه فجأة يُعيد ضبضبة أغراضه للعودة إلى البيت.

بخروج حسّان دياب هل يعود نوّاف سلام؟ قد يكون طرح اسمه من باب القبول وعدم الرفض محاولة لإحراقه من أجل خيار آخر. ولكنّ الوقت لم يعد لمصلحة حلف التيار والحزب. لا يمكن أن يقبل نوّاف سلام بترؤس حكومة كحكومة حسان دياب. وهو ليس حسّان دياب على كلّ حال. العودة إلى خيار حكومة حيادية مستقلّة برئاسته قد لا يقبل بها “حزب الله” والرئيس ميشال عون. لم يقبلوا إعلان الخسارة بعد ثورة 17 تشرين ولكنّ وضعهم اليوم أسوأ. خساراتهم باتت مضاعفة. تجربتهم في الحكم لوحدهم سقطت. الضغط في الشارع يزداد. الضغط الدولي يزداد. جماعة الرئيس يتركونه أيضاً. حكومة تتمتّع بالإستقلالية في القرار، وبثقة الناس والعالم والأمم المتّحدة، تبقى أفضل من خسارة مثلّثة تذهب إلى انتخابات نيابية مبكرة تحت الضغط، وربّما إلى تقصير ولاية رئيس الجمهورية.