كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
ما زالت مراسم تشييع الشهداء تتوالى من بلدة الى أخرى، لم يفرّق الإنفجار بين مسلم ومسيحي، وبين سنّي ودرزي وشيعي، طال العزاء الجميع، فحومين الفوقا شيّعت حارس القمح شوقي علّوش، فيما لا تزال كفرتبنيت تنتظر مصير إبنها حسن بشر، كلاهما كانا يعملان في إهراءات القمح.
كان من المُفترض أن يعود شوقي صباح الأربعاء الى منزله، بعد إنجاز مهمّته في إهراءات القمح داخل مرفأ بيروت، الرجل الخمسيني الذي يعمل هناك منذ سنوات، لم يُدرك أنّ الثلثاء الأسود سينهي حياته. أمس الأول كان “الآدمي” كما يُطلق عليه أبناء بلدته حومين الفوقا في إقليم التفاح، يعتاش من عمله كحارس للقمح داخل الإهراءات وصودفت مناوبته لـ 24 ساعة يوم الثلثاء. عصف الإنفجار لم يسرق حياته فحسب، سرق حياة عائلته المفجوعة التي بقيت تتمسّك بقشّة أمل في العثور عليه على قيد الحياة، ولكنّ القدر شاء أن يكون شهيد القمح. بالأمس إستقبلت حومين الفوقا شهيدها لتزفّه الى مثواه الأخير، وشوقي هو الشهيد الثامن من منطقة النبطية في انفجار المرفأ، فيما مصير حسن بشر العامل في غرفة عمليات الإهراءات أيضاً، لا يزال مجهولاً، أقلّه حتى الساعة، وإن بدأ أهله يفقدون الأمل بالعثور عليه على قيد الحياة.
لا يُخفي أبناء البلدة حزنهم ولا حتى عتبهم الكبير على دولة تقاعست عن حماية أبنائهم، يكفي ما قاله والد الشهيد محمد، “كان يحرس القمح ليؤمّن لقمته”، يعتب الوالد على “الدولة التي أوصل إهمالها الى إنفجار الفساد بأجساد أبنائهم”. بصعوبة يلفظ الرجل الثمانيني كلماته “إبني مات لأنّ ما عنّا دولة”، يحمل تراب قبر ولده شوقي، ينثره تماماً كما ينثر لومه، على كلّ الفاسدين في وطنه، بضع كلمات تكشف حجم المأساة التي حلّت بعائلته “كان عم بأمّن لقمة عيشه، عم يحرس القمح ليعيش، ولكن بجرعة فساد زائدة، أضحى شوقي تحت التراب، من يعوّض علينا؟”. وفيما كانت حومين تغوص في حزنها، بقي مصير حسن بشر ابن بلدة كفرتبنيت مجهولاً، “كان العثور عليه مُمكناً لو تعاملت الدولة بجدّية مع الكارثة من اليوم الأول”، يقول أحد أقربائه، ويضيف: “بشر اليوم لا يزال تحت الأنقاض”.