Site icon IMLebanon

ماكرون لترامب: ترك لبنان يُفيد إيران

كتب عمار نعمة في “اللواء”:

ليس ما بعد زلزال انفجار المرفأ كما ما قبله بالنسبة الى لبنان. التغيير ضروري في هذه المرحلة وهو اتخذ شرعيته من ضغط غربي إيجابي وسط انفتاح دولي وعربي على هذا البلد هو في أمس الحاجة إليه اليوم وسيوفر شرعية الحكومة الجديدة قيد التشاور.

وقد دشنت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان المرحلة الجديدة التي اتخذت تجلياتها عبر مؤتمر باريس الذي رعاه ماكرون والأمم المتحدة وجاء بدعم أميركي وحضره الرئيس دونالد ترامب إستجابة للمسعى الفرنسي.

وإذا كان الغربيون لم يوجهوا مطلباً معلناً بإسقاط حكومة الرئيس حسان دياب التي اهتزت قبل سقوطها مع مأساة بيروت، إلا أن ماكرون كرر أكثر من مرة في جولته اللبنانية دعمه تشكيل حكومة وحدة وطنية، برغم أنه لجأ الى فصل الجانب السلطوي في لبنان عن الإقتصادي والإنساني، لكنه وجه في مؤتمر باريس للمانحين التحية الى الرئيس اللبناني ميشال عون من دون ذكر دياب بالإسم ما أشار الى تفضيله حكومة جديدة.

لا تدويل.. ولا تعديل للطائف

ثمة من يشير الى إندفاعة فرنسية نحو لبنان بغطاء أميركي. ويشير متابعون للعلاقات الفرنسية اللبنانية الى رؤية قدمها ماكرون الى الأميركيين مفادها أن ترك لبنان لوحده اليوم سيفيد أخصام الغرب ومنهم إيران وحلفائها في المنطقة وعلى رأسهم طبعا «حزب الله». وفرنسا قادرة على تصدر رؤية غربية للعودة نظرا الى علاقاتها التاريخية مع الكيان الذي يعود الفضل لها في إنشائه. وهذه العودة يجب أن تتم أولا من الباب الإغاثي والاستثمار ودعم لبنان بقوة، وهو ما لقي استجابة أميركية.

والدخول الفرنسي على الخط لن يعني الاصطفاف مع خط سياسي ما في لبنان، وقد تقصد ماكرون توجيه رسالة إيجابية نحو «حزب الله» حين التقى رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد، الأمر الذي قابله الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله بالمثل في كلمته الأخيرة.

على أن مؤتمر باريس خرج بنيّة إيجابية نحو لبنان وتأكيد على الثقة بمستقبله. لكن على المسؤولين اللبنانيين مقابلة هذه المبادرات بإيجابية في ظل غضب شعبي كبير لمسه ماكرون في زيارته وقد وجه سهام النقد بقوة الى المسؤولين اللبنانيين، وخاصة لناحية استجابة الحكومة لمطلب الاصلاحات وصولا الى دعوته الى عقد سياسي جديد.

وفي ظل بوادر فك شبه العزلة اللبنانية، بات على اللبنانيين تقديم الدليل الايجابي لكي يلمسه ماكرون لدى عودته الشهر المقبل الى لبنان في مئويته الاولى التي تصادف الأول من أيلول. فقد وضع الضيف الفرنسي من إلتقاهم أمام مرآة إنقاذ البلاد وسط انعدام الثقة الشعبية بالقوى السياسية التي رأى أنها تفتقد الثقة بين بعضها البعض.

وقد جاءت مساعي تشكيل حكومة وحدة وطنية إنقاذية ترجمة لمفاعيل رؤية ماكرون الذي حذر في زيارته من كون لبنان يتجه نحو الانتحار. وهو شدد على أن على السياسيين التحاور والعمل من دون الغرق في محاولات الحل للمشاكل الكبرى السياسية منها وتلك المتعلقة بالاقليم.

وسيسابق المسؤولون اللبنانيون الوقت لترجمة مطلب ماكرون، علما ان البعض دعا الى حكومة حيادية، لكن الأمر حسب المتابعين مستبعد، والتوجه هو نحو حكومة لمّ شمل بغض النظر عن رئيسها سواء كان الرئيس سعد الحريري أم شخصية يوافق عليها مثل السفير نواف سلام الذي يحظى بقبول من قبل غالبية القوى ومنها العهد. وثمة استبعاد لطروحات راجت في الايام الاخيرة حول إجراء انتخابات نيابية مبكرة ناهيك عن أخرى غير واقعية مثل إسقاط المجلس النيابي وحتى رئاسة الجمهورية..

يريد الغرب تمرير المرحلة على اللبنانيين من دون البحث اليوم بتغيير النظام، بل ايجاد مخرج لأزماتهم السياسية عبر الاشتراك بالحل، كما أسمعهم ماكرون الذي دشن مرحلة جديدة لسياسة بلاده مع لبنان بغطاء أميركي. وبينما سيستثمر ماكرون جهوده لرفع شعبيته المتراجعة في بلاده، سيتمكن لبنان من الإستناد الى عكاز دولي ينتشله من أزمته الكارثية، من دون تدويل للمشهد كون الموقف الذي أطلقه الضيف الفرنسي حول التحقيق الدولي يتواءم مع السياسة غير المتدخلة بالشؤون اللبنانية. وهي جاءت بعد طلب من رئيس الجمهورية لتوفير معلومات جوية حول أي اعتداء قد أدى الى هذا الانفجار، وهو قد يطلب ذلك من غير باريس أيضا التي تعنى بهذا الشأن بعد جرح وفقدان فرنسيين في الانفجار وهذا ما دفعها سريعا الى بعث معنيين بالتحقيق والمساعدة.

أما لناحية تشكيل لجنة تحقيق دولية، فسيكون على لبنان تقديم طلب بذلك، وهو ما قد يتم بقرار من مجلس الأمن ويمكن لفرنسا أن تتقدم بمشروع قرار على هذا الصعيد، الأمر غير المحسوم خاصة لناحية اتباعها بمحكمة دولية في ظروف غير شبيهة بالعام 2005.

مؤتمر باريس: جرعة أولية

وبعد أن شكلت الزيارة اللبنانية أولى الخطوات على طريق السياسة الفرنسية المستجدة، شكل مؤتمر باريس الترجمة العملية الأولى على طريق بناء الثقة الدولية بلبنان.

وهذه المرة لن تأتي المساعدات عبر السلطات الحكومية، بل عبر أجهزة غير حكومية تدخل ضمن منظومة الأمم المتحدة أو تعمل معها، وبشفافية كاملة تصرف خلالها الأموال مباشرة للمعنيين.

وما كان هذا الإنجاز ليتم لولا الحجم الكبير من التعاطف مع لبنان من دول ومؤسسات وصناديق ومنظمات دولية ومصارف، لبّت نداء ماكرون بمساعدة طارئة وعاجلة بـ253 مليون يورو كانت 30 مليونا منهم من تقدمة فرنسا، في انتظار مبادرات أخرى في المستقبل. وستتوجه المساعدات نحو قضايا أساسية مثل تجهيز مستشفيات وتأمين الدواء وعلى صعيد الأمن الغذائي وترميم الإهراءات وتأمين عودة آلاف العائلات المشردة الى مساكنها وحماية الأبنية المتصدعة ومنها التراثية، إضافة الى تأمين شراء كميات من الفيول وغيرها..

وستصل المبالغ عبر الأمم المتحدة وأجهزة تثق المجموعة الدولية بها مثل الجيش اللبناني و«الصليب الأحمر الدولي» و«الدفاع المدني» وجمعيات أهلية، وما رصد سيكون مقبولا في حال وظف في الإطار الصحيح.

على أن بداية الحساب بين الجانبين ستبدأ في الأول من أيلول لدى عودة ماكرون، علما أن فرنسا كانت تُحضر منذ سنة عبر لجنتين لبنانية وفرنسية، لمناسبة الذكرى المئوية في حفل ضخم في لبنان، لكن الاحداث المتتالية ومنها هبوب وباء «كورونا» على لبنان، جعلت من الصعب إقامة احتفال ضخم، على أن يتم استذكار المناسبة بحضور ماكرون وهو ما تلخصه السلطات الفرنسية بعبارة «Pour Marque Le coup» أي الاحتفال بالمناسبة.