Site icon IMLebanon

فضيحة مدوّية في التحقيق العدلي.. كسْر القانون وتعيين قريب برّي؟

كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:

يوماً بعد يوم يتأكّد الشعب اللبناني أن السلطة الحالية تلهو بقضية تفجير العصر ولا تُبدي الجدّية اللازمة، خصوصاً وأن الشعب لن يسكت على من تسبّب بتفجير أهم معلم تجاري له في الشرق وقتل المئات وجرح الآلاف ودمّر العاصمة وحوّل بعض أحيائها إلى كومة ركام.

“لا ثقة بالتحقيق الداخلي”، هذه العبارة يردّدها الشعب اللبناني في الساحات وقالها أهالي الشهداء والجرحى، وهذه الصرخة ليست مبنية على المجهول، بل لعلمهم أنّ مافيات الفساد السياسي تنخر القضاء وكل المؤسسات، علماً أن هناك قضاة نزيهين وشرفاء، لكن دورهم محدود لأنهم لا يسايرون “الطغمة” الحاكمة ولا يحكمون كما يريدون، بل يصرّون على الحكم باسم الشعب.

وفي جديد مسار التحقيق الداخلي في قضية تفجير المرفأ، وعلى رغم توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون على إحالة هذا التفجير إلى المجلس العدلي، إلا أنّ الشكوك تزداد يوماً بعد يوم من أن هذا الملف سيلقى مصير ما سبقه من ملفات كثيرة، لأن الثقة غائبة ولا يوجد مؤشّر الى شفافية التحقيق.

ومن بين الأمور التي تثير الريبة، المعلومات التي تتردّد وتتحدّث عن تعيين مفوّض الحكومة بالإنابة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي محققاً عدلياً في التفجير، علماً أن النائب العام التمييزي غسان عويدات كان قد كلف عقيقي بدايةً القيام بالتحقيقات الأولية كمفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة.

ويبدو حتى الساعة، أنه لا يوجد أي ملف جدّي يكشف حقيقة ما جرى في تفجير المرفأ وكل ما يسرّب يبقى مجرّد تسريبات إعلامية ومحاولة لحرف مسار الأحداث، علماً أن كل خبراء العالم في المتفجرات يقولون أن إنفجار مادة نيترات الأمونيوم يحتاج إلى قوّة تفجير لا تُحدثها المفرقعات النارية أو أي حريق، ما يرجّح فرضية وجود مخازن أسلحة، وهذا الأمر يبرّر رفض كل من الرئيس ميشال عون والسيد حسن نصرالله الذهاب إلى لجنة تحقيق دولية.

وهنا يطرح عدد من القضاة والقانونيين سؤالاً كبيراً جداً وأساسياً، وهو وإن صحّ خبر تعيين عقيقي محققاً عدلياً، مع ما يُشكّله من سابقة خطيرة في تاريخ القضاء اللبناني لم تحصل في أي وقت مضى، هل يجوز لأي قاضٍ قد باشر التحقيق واطّلع على الملف أن يعيَّن محققاً عدلياً؟ فهذا الأمر يعتبره القانونيون خرقاً خطيراً ويخفي امراً ما إن تمّ، أو قد يكون ظهر مع عقيقي بعض المعلومات في التحقيق الأولي لا تريد السلطة السياسية كشفها، وبالتالي تكون قد لجأت إلى خرق القانون والأعراف، وقامت الوزيرة المستقيلة ماري كلود نجم التي تتبع مرجعية معروفة بمحاولة من أجل تطويق التحقيق وحرفه عن مساره عبر تعيين عقيقي، وهذا ما يبرّر موقفها في البداية برفض الإستقالة لأنها تريد متابعة التحقيق.

وللمفارقة أيضاً، فإن القاضي فادي عقيقي هو زوج رئيسة معهد الدروس القضائية ندى دكروب إبنة شقيقة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وبالتالي فإن عقيقي محسوب على فريق بري و8 آذار، لذلك فان هناك تشكيكاً من قِبل الشعب أولاً وأفرقاء في الجسم القضائي بنتائج التحقيق.

وتنبع تلك المخاوف من محاولة “حزب الله” وحلفائه طمس معالم الجريمة والقول إن التفجير “قضاء وقدر” وإبعاد نظرية أنه يوجد مخزن سلاح قرب العنبر رقم 12، وبالتالي فإن تعيين عقيقي إن حصل بطريقة مخالفة لكل الأعراف وقربه من الرئيس برّي يزرع الشكّ حتى لو كان القاضي نزيهاً، من هنا فان الأصوات تتعالى لعدم تسليمه هذه المهمة وتسليم شخص حياديّ ليس قريب أحد من السياسيين وتنطبق عليه الشروط القضائية، بالإضافة إلى طلب لجنة تحقيق دولية.

ومن جهة اخرى، فإن عقيقي الذي يأتي من القضاء العسكري لا يوحي بالإرتياح للناس لأن التجارب مرّة مع القضاء العسكري، حيث يعلم الجميع أن “حزب الله” صاحب الكلمة الأكبر فيه ويبسط نفوذه، وهناك قضايا فاضحة وقرارات قامت بها المحكمة العسكرية كما يشتهي “حزب الله”، ومن بين أبرز تلك القضايا إطلاق سراح عنصر “حزب الله” الذي اغتال الضابط الطيار سامر حنا بعد أشهر من اعتقاله. وكذلك، قامت المحكمة العسكرية بإطلاق الوزير السابق ميشال سماحة الذي نقل متفجرات وكان يريد تفجير الداخل، قبل ان يحصل ضغط سياسي وتعاد محاكمته واعتقاله، وأخيراً لا ينسى أحد كيف أن المحكمة العسكرية أخرجت عامر الفاخوري الذي عاد إلى أميركا بعد الحديث عن إرضاء “حزب الله” للأميركيين في هذه العملية.

وأمام كل هذه المعطيات، فإن الضغط الشعبي يتركّز على كفّ يد عقيقي عن التحقيق في هذه القضية نظراً إلى عامل القربى مع أحد أبرز السياسيين وخرق الأعراف في تعيينه محققاً عدلياً، وهذا الأمر يحصل في كل الدول التي تحترم نفسها، علماً أن النتائج ستبقى محور تشكيك من هذه السلطة، لأن الجميع يعلم كيف تحصل التركيبات في لبنان.

من جهته، تقدم الوكيل القانوني للمدير العام للجمارك بدري ضاهر المحامي جورج الخوري من جانب النيابة العامة التمييزية بطلب ترك موكله، بعد أن تخطى توقيفه لدى الشرطة العسكرية الفترة المسموحة وفقاً للمادة 32 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، متعهداً بحضور كافة جلسات التحقيق والمحاكمة.