كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
يوم السادس من الجاري، أي بعد ساعات معدودة على وقوع زلزال المرفأ، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ “المحادثات مع الأميركيين في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل اصبحت في خواتيمها”.
كلام بدا غريباً في توقيته ومضمونه، لا سيما وأنّ المؤشرات المعلنة كانت تشي بما لا يقبل الشكّ، بأنّ الملف يواجه عراقيل عدة بفعل رفض الجانب اللبناني الطروحات الموضوعة أمامه. واذ برئيس مجلس النواب يؤكد العكس.
كما يؤكد نواب عونيون أنّ رئاسة الجمهورية تتابع بدورها الملف بعيداً من الأضواء، كاشفين عن أفكار كثيرة موضوعة على الطاولة وعن تبادل اقتراحات بين لبنان وواشنطن حيال هذا الملف، حيث يعمل بصمت على ايجاد صيغ مشتركة تلقى قبول الطرفين. لا بل لم يتردد رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في التلميح إلى الأمر خلال اطلالته التلفزيونية الأخيرة، بشكل بيّن أنّ تبادل الرسائل بين الجانبين اللبناني والأميركي لم يتوقف أبداً. ولهذا لم يبد هؤلاء أي استغراب حيال ما خرج من عين التينة من تأكيدات تثير الاعتقاد بأنّ الملف اقترب من خواتيمه السعيدة.
لكن هذا التطور غير المرئي، لا يحجب أبداً علامات الاستفهام التي طالت توقيت الاعلان والزيارة التي سيقوم بها وكيل وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل المكلف متابعة هذا الملف، خصوصاً وأنّ هذا التقدم في المفاوضات يحصل على وقع الحمم التي ألقاها بركان الرابع من آب والذي جعل من بيروت قبلة الأنظار والاهتمام الدوليين، خصوصاً وأنّ المتابعين يعرفون جيداً أنّ مسألة ترسيم الحدود البحرية هي واحدة من أكثر الملفات اهتماماً من جانب الإدارة الأميركية، وقد تكون بشكل أو بآخر مفتاح الحلّ أو لغم الانفجار الداخلي.
يستعرض العونيون هذه النقطة في محاولة لرسم بنك الأهداف الدولية من الأزمة الدولية حيث ينصب اهتمام الأوروبيين وفق هؤلاء على مسألة النازحين السوريين خشية من هجرات جماعية تصل الى أوروبا، وعلى التمدد التركي المريب بنظر الأوروبيين نحو حوض الشرق الأوسط. وبالنتيجة، يحاذر الأوروبيون ترك لبنان ينزلق نحو الفوضى اذا ما أفلتت يده أو ازداد الضغط الاقتصادي عليه عملاً بالتوصيات الأميركية. وهذا ما يدفعهم إلى التشديد على مطلب الاصلاحات البنيوية كممر إلزامي لأي دعم قد يقدمونه للبنان. أما الدول الخليجية فجلّ ما تريده هو مغادرة “حزب الله” لمربعات الصراعات العربية، وإلا فإنّها ستبقي آذانها مقفلة حيال أي ضجيج لبناني.
وعلى هذا الأساس يرسم النواب العونيون خريطة طريق الحكومة المقبلة. يؤكدون أنّ “التيار الوطني الحر” يرفض بشكل مطلق العودة إلى التجارب السابقة التي انتهت إلى فشل ذريع، ولهذا سارع باسيل إلى تقديم ورقة مكتوبة إلى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تختصر الرؤية العونية للاصلاحات المرغوب بتحقيقها. ولهذا لا يرى باسيل نفسه معنياً بأي تهديد يلقى من خلف البحار بشأن عقوبات قد تطال المقصّرين بحق الاصلاحات، خصوصاً وأنّ التيار أكثر المندفعين في هذا السياق، كما يقول نوابه.
ويشيرون إلى أنه لا قيامة لأي حكومة جديدة اذا لم تكن مقرونة بضمانات جدية تثبت أنّ الحكومة العتيدة ستلتزم ببرنامج اصلاحي واضح ينتهي إلى اقرار تلك الاصلاحات بلا أي تردد أو عراقيل، لكي تكون فعّالة وسريعة في عملها وأدائها سواء على المستوى العمراني أو الاصلاحي. ولهذا يطرح العونيون رزمة عوامل من شأنها أن توضح طبيعة موقفهم من التكليف والتأليف:
– أولاً، لا تكليف قبل الاتفاق مع المرشح لرئاسة الحكومة ليس على كيفية التأليف، وإنما على برنامج الحكومة لا سيما في الشق الاصلاحي، خصوصاً وأنّ “التيار” لن يكرر تجربة رمي البلاد في المجهول.
– ثانياً، يرفض “التيار” التعامل بمنطق الفيتوات أو المحرمات أو الثوابت المنزلة، لا بل سيتعاطى بكثير من المرونة، لكنه في المقابل يعتبر أنّ ترشيح نواف سلام لرئاسة الحكومة طرح جديّ يستحق النقاش خصوصاً وأنّ للرجل رصيداً في الشارع، في المقابل يعتبر أنّ التجارب السابقة مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري غير مشجعة أبداً، ولذا لا يبدي “التيار” أي حماسة لاعادة ترشيحه.
– ثالثاً، يعتبر “التيار” أنّ حكومة التكنوقراط لم تكن موفقة في سلوكها ونتائجها، كما أنّ حكومة ذات طبيعة سياسية مرفوضة في الشارع، ولذا من الأفضل المزج بين النوعين لتأليف حكومة تكنو – سياسية.