كتب محمد وهبة في “الاخبار”:
50 ألف وحدة سكنية تضرّرت، نحو 300 ألف شخص بلا مسكن، ازدياد في الفقر، أثر سلبي على الاستهلاك وتضخم الأسعار وعلى إيرادات الخزينة من إيرادات المرفأ، من دون أن يكون هناك أثر واضح على سعر الصرف… هذه هي الحصيلة التي يراها البنك الدولي في تقدير أولي للأضرار الناتجة عن انفجار مرفأ بيروت.
أجرى البنك الدولي تقييماً أولياً للخسائر الاقتصادية الناجمة عن الانفجار في مرفأ بيروت، عرضه في المؤتمر الذي عقد قبل أيام مع الدول والجهات المانحة. خلص التقرير إلى تقدير للخسائر انطلاقاً من مجموع الأنشطة التي تضرّرت مباشرة في مرفأ بيروت وفي المنطقة المحيطة، وبشكل غير مباشر لجهة الاستهلاك وثقة المستهلك والأسعار، وإيرادات الخزينة الفائتة من المرفأ، وانعكاسات الأمر على سعر الصرف، وعلى الحساب الجاري وميزان المدفوعات عموماً.
بالنسبة إلى البنك الدولي، ستكون تبعات الانفجار كبيرة، انطلاقاً من كون مرفأ بيروت هو المعبر الأساسي للسلع الآتية إلى لبنان. فالضرر طاول 80% من البنية التحتية والمباني في مناطق: الدورة، الجميزة، مار مخايل، كرنتينا، جعيتاوي، وكرم الزيتون. وهذا ما أدّى إلى تضرّر مباشر لنحو 50 ألف وحدة سكنية، وبات نحو 300 ألف شخص بلا مأوى، فضلاً عن أضرار لاحقة بثلاثة مستشفيات خاصة ومستشفى حكومي واحد كانت تؤدي الخدمات لنحو مليون شخص.
ويضاف إلى ذلك أضرار لحقت بنحو 34 مدرسة، وأضرار كبيرة في شبكات النقل والتوزيع في شبكة الكهرباء في الأشرفية وفي المقر العام لمؤسسة كهرباء لبنان وعلى شبكات المياه أيضاً.
هذه الصدمة تضاف إلى الركود القاسي الناتج عن الأزمة الاقتصادية – الدين السيادي – المصارف – سعر الصرف، وفوقها تبعات كورونا. «قبل الكارثة كانت التقديرات تشير إلى أن النمو سيكون سلبياً هذه السنة وبمعدل من رقمين (ثمة تقديرات من خارج البنك الدولي تشير إلى أكثر من 19%)»، وفق البنك الدولي. وعلى المدى القصير، يقول البنك الدولي إن هذه الصدمة «ستؤثّر على الانخفاض الحقيقي في الأنشطة الاقتصادية. هناك خسارة في الاستهلاك ناتجة عن الضرر المباشر في مرفأ بيروت، وعن الأقسام المتعلقة بتجارة التجزئة والتجارة. تاريخياً، كانت هناك علاقة قوية بين الاستيراد والنشاط الاقتصادي، ما ينعكس سلباً على حركة الاستهلاك».
انطلاقاً من قراءته، يرى البنك الدولي أن مرفأ بيروت يعدّ معبراً حيوياً بالنسبة إلى النشاط الاقتصادي في لبنان. هناك أربعة مرافئ في لبنان: بيروت، طرابلس، صيدا، صور. فالطاقة الاستيعابية لمرفأ بيروت تبلغ 1.5 مليون حاوية في عام 2019، وقد حقق إيرادات بقيمة 198.9 مليون دولار مقارنة مع 231.5 مليون دولار في عام 2018، بينما مرفأ طرابلس لديه قدرة استيعابية تبلغ 300 ألف حاوية، وهو مخصص لاستيعاب 700 ألف حاوية بحلول 2023. وكانت إيرادات مرفأ طرابلس ارتفعت من 45 مليون دولار في عام 2010 إلى 95 مليون دولار في 2011 ثم انخفضت إلى 21 مليون دولار في 2018. أما التجارة عبر مرفأ صيدا ومرفأ صور فلا تكاد تذكر مقارنة مع طرابلس وبيروت.
وبحسب إحصاءات الجمارك، يبلغ معدل التبادل التجاري (استيراد وتصدير) عبر مرفأ بيروت في السنوات الممتدة من 2011 إلى 2018 نحو 68% من التبادلات الخارجية للبنان. وتمثّل السلع المستوردة عبر مرفأ بيروت 38% من الناتج المحلي الإجمالي قبل الأزمة من ضمنها 80% من السلع العادية، و40% من سلّة الاستهلاك التي تتضمن السلع الأساسية.
وبذلك، فإن الأضرار الناتجة عن الانفجار ستفاقم كلفة الاستيراد، وستزيد معدلات التضخم، وتعزّز التضخّم المفرط. وتشير التقديرات (المستخرجة من أكثر من سيناريو أعدّه البنك الدولي) إلى أن الأثر الناتج عن الانفجار في مرفأ بيروت وخروجه من الخدمة على تضخّم الأسعار، سيراوح بين 6.9% و12.3%.
كذلك ستزداد ظاهرة الفقر بسبب خسارة الأرواح والتراجع في الاستهلاك، وخسارة في نوعية وجودة الخدمات الاساسية، فضلاً عن تدهور المؤشّرات الاجتماعية، ولا سيما في الصحة والتعليم. قبل الكارثة كانت التقديرات تشير إلى أن الفقر المدقع سيبلغ 22% والفقر العام سيبلغ 45%.
أما الأثر الناتج على ارتفاع سعر صرف الدولار فهو غير واضح، لكنه قد يكون إيجابياً على المدى القصير. فمن جهة إن انخفاض الحساب الجاري سيسهم في حماية الاحتياطيات المحدودة لمصرف لبنان بالعملات الأجنبية. وهذا الأمر ناتج عن تقلص الاستيراد وعن قابلية الناس للاستهلاك. ومن جهة أخرى، إذا كانت الجهات الاقتصادية تتوقع أن الانفجار خفض بشكل ملحوظ ودائم النشاط الاقتصادي المستقبلي، أو من خلال انخفاض مستوى الثقة بالمؤسسات العامة، فإن هذا الأمر سيلقي بثقله على سعر الصرف من دون أن نذكر القيود والضوابط المفروضة على رأس المال.
في المجمل، ستكون هناك خسارة كبيرة في إيرادات الخزينة المتأتية من مرفأ بيروت، سواء من انخفاض الرسوم الجمركية أم من الرسوم والضرائب المحصلة. فعلى افتراض خروج مرفأ بيروت من الخدمة بنسبة 100% في 2020، فإن الواردات ستنخفض بقيمة 3.3 مليارات دولار وفي عام 2021 ستنخفض بقيمة 5.4 مليارات دولار.
أما الخسارة في الإيرادات الجمركية فإنها ستراوح بين 200 مليون دولار على أساس سعر صرف 1500 ليرة، أو 75 مليون دولار على أساس سعر صرف يبلغ 4000 ليرة لكل دولار، أو 38 مليون دولار (على أساس سعر صرف يبلغ 4000 ليرة لكل دولار).
كما يتوقع البنك الدولي أن يزداد التبادل التجاري عبر سوريا التي تشكل المعبر البري الوحيد للبنان.
الجانب الإيجابي الوحيد يكمن في الاثر الذي سينتج عن انخفاض الاستيراد، لأنه سيؤدي إلى خفض عجز الحساب الجاري، نظراً إلى كون السلع المستوردة تساوي 4.5 أضعاف السلع المصدرة. كذلك يتوقع ارتفاع في تحويلات المغتربين الذين سيدعمون أهلهم في لبنان، «قياساً إلى سلوك المغتربين في أزمات سابقة»، وفق تقرير البنك الدولي. أيضاً يقدّر البنك أن تكون سياسات مصرف لبنان ملائمة من خلال السماح بتسديد التحويلات الآتية عبر قنوات خارج النظام المصرفي بالدولار.