Site icon IMLebanon

تكليف الحريري بتشكيل حكومة رهن ضوء أخضر أميركي – سعودي

تكثفت المشاورات في الساعات الأخيرة لتشكيل حكومة لبنانية جديدة، خلفا لحكومة حسان دياب التي استقالت الاثنين الماضي بفعل ضغط الشارع الغاضب لما آل إليه حال بيروت نتيجة الانفجار الكارثي الذي وقع في الرابع من آب الجاري وأدى إلى سقوط أكثر من 171 قتيلا وإصابة نحو 6000، فضلا عن دمار كبير لحق بالمباني.

ويتقدم اسم رئيس الوزراء السابق سعد الحريري بقوة بورصة المرشحين لتشكيل الحكومة الموعودة، بعد أن رفض الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل تسمية السفير الأسبق ورئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام لهذه المهمة.

وتقول أوساط سياسية إن موافقة الحريري على تولي رئاسة الوزراء مجددا لن تكون هذه المرة دون الحصول على ضوء أخضر أميركي – سعودي، حيث أن زعيم تيار المستقبل لن يخاطر بما تبقى له من رصيد سياسي وشعبي، دون أن يضمن وجود حزام عربي ودولي داعم له.

وأبدى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرجي لافروف الاربعاء دعم  بلاده لتشكيل حكومة لبنانية جديدة شريطة توفير ظروف خارجية مؤاتية.
وسبق أن تولى الحريري رئاسة الوزراء في العام 2016 بناء على صفقة عقدها مع التيار الوطني الحر وحركة أمل وبمباركة من حزب الله، ما أثار تململا لدى الدوائر الأميركية والمملكة العربية السعودية، حيث أنه كان ينظر إلى تلك الصفقة على أنها انتصار لحزب الله المصنف لديهما تنظيما إرهابيا وداعمته إيران.

ومن نتائج هذه الصفقة اهتراء الغطاء العربي والدولي الداعم للبنان في وقت يشهد فيه البلد انهيارا اقتصاديا وماليا بلغ ذروته مع تفجر موجة احتجاجات غير مسبوقة في تشرين الاولي 2019، تطالب برحيل كل الطبقة السياسية عن السلطة، فكان أن وجد الحريري نفسه مضطرا للاستقالة بعد أيام قليلة من اندلاع الاحتجاجات.

ومن الواضح أن الحريري، الذي تقول أوساط قريبة من تيار المستقبل إنه بصدد القيام بجولة غربية، قد اتعض من التجربة السابقة ولن يقبل تولي هذه المهمة الثقيلة، دون أن يكون مسنودا دوليا وعربيا.

ويرى متابعون أن الوضع تغير ما بعد انفجار بيروت الكارثي وأن جميع المؤشرات توحي بوجود رغبة دولية وعربية لتشكيل حكومة في لبنان بأقصى سرعة لتفادي حدود انهيار تام للبلد، وأيضا لكسب المزيد من الوقت في ظل معطيات تتحدث عن مفاوضات تجري خلف الكواليس بين القوى الإقليمية والدولية لترتيبات كبرى ربما تتجاوز الجغرافيا اللبنانية.

ويشير المراقبون إلى أن هناك قناعة بأن الحريري الخيار الأكثر واقعية لتولي رئاسة الحكومة الجديدة بالنظر للحيثية الشعبية الوازنة التي لا يزال يحتفظ بها رغم الضربات التي تعرض لها على مدى السنوات الماضية، إلى جانب كونه شخصية غير صدامية في الداخل، والأهم أنه يحتفظ بقدر من ثقة المجتمع الدولي.

وترعى فرنسا جهود تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وتسعى جاهدة إلى تقليص التباينات بين القوى السياسية في لبنان، وأيضا التحرك لدى إيران لأخذ مسافة من هذا البلد، ذلك أن تدخلاتها عبر ذراعها حزب الله كانت السبب الأساسي في عزوف المجتمع الدولي عن دعم لبنان في أزمته الاقتصادية والتي عمقها انفجار بيروت.

ويقول المتابعون إن الحراك الفرنسي لا يمكن قراءته بمعزل عن الموقف الأميركي الذي يبدو مباركا له، ويرجح المتابعون أن زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل إلى بيروت الخميس تأتي في سياق هذه الجهود، وإن كانت هذه الزيارة لن تخلو من شروط على حزب الله الإصغاء إليها جيدا.

وأجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء اتصالا هاتفيا مع نظيره الإيراني حسن روحاني حذر خلاله من استمرار التدخلات الخارجية في شأن لبنان. وبحسب بيان صدر عن الرئاسة الفرنسية ذكّر ماكرون “بضرورة أن تتجنب كل القوى المعنية أي تصعيد للتوتر وكذلك أي تدخل خارجي، ودعم تشكيل حكومة مهمتها إدارة (الأزمة) الطارئة”.

وتلت هذا الاتصال مكالمة أخرى أجراها الرئيس الفرنسي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين تناولت الشأن اللبناني وضرورة التحرك لدعم جهود تشكيل حكومة في هذا البلد، مع العمل على النأي به عن الصراعات الإقليمية.

وبدا أن هدف ماكرون من الاتصال ببوتين الحصول على مساعدة موسكو في جهود إقناع طهران بوجوب تجنيب لبنان المزيد من الهزات من خلال لجم تدخلاتها في شؤونه الداخلية. وسبق أن صرح السفير الروسي لدى بيروت ألسكندر زاسبكين أن بلاده تدعم تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ووفق المعايير.

ويرى مراقبون أن نجاح الجهود المبذولة لتشكيل حكومة في لبنان يبقى رهينة استجابة حزب الله الذي بات بيده إنقاذ لبنان أو التسبب في انهياره التام.

وقال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الأربعاء إن هناك ضغطا دوليا غير مسبوق لتشكيل حكومة جديدة في لبنان. ولا يخفي زعيم القوات تحفظه على هذه الخطوة حيث أنه يفضل السير في انتخابات نيابية مبكرة على أمل قلب موازين القوى الحالية لفائدة خطه السياسي.

وأوضح جعجع في مؤتمر صحافي “هناك حكومة على قيد التشكيل، ونفعل ما بوسعنا لتكون مستقلة لا كسابقتها”، و”هناك ضغط دولي هائل لم نلمسه من قبل”.

ولدى سؤاله عن إمكانية تسمية القوات للحريري لتولي رئاسة الحكومة، أوضح جعجع “نحن مع حكومة جديدة تماما ومستقلة تماما وحيادية تماما”. ولفت إلى أنه “بعد استقالة الحكومة تريث كل من ‘تيار المستقبل’ و’التقدمي الاشتراكي’ في تقديم الاستقالة من مجلس النواب وبقيت ‘القوات’ وحدها كالعادة”.

وتمنى “خصوصا على حزب الكتائب، وقد تواصلت مع الشيخ سامي الجميل من أجل ذلك، أن يعودوا عن استقالاتهم قبل طرحها في المجلس، لأنه بإمكاننا التأثير من داخل البرلمان في هذه المرحلة”.

وكان جعجع أعلن الاثنين أن موقفا كبيرا سيعلن خلال ساعات في إشارة إلى استقالة نواب القوات والمستقبل والاشتراكي من مجلس النواب تمهيدا لانتخابات نيابية مبكرة، بيد أن هذا الإعلان بقي معلقا بعد تراجع الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط عن ذلك.