الحكومة الجديدة يكتنفها الغموض، وليس واضحا بعد ما إذا كان انفجار بيروت والتدخل الدولي، خصوصا الفرنسي والضغط الشعبي، تشكل في مجموعها عوامل ضاغطة في اتجاه تسريع عملية تشكيل الحكومة وحمل القيادات السياسية على إظهار مرونة وتدوير الزوايا وتقديم تنازلات.. تتضارب التوقعات وتتداخل، بحسب “الانباء” الكويتية.
الحكومة السريعة والمستقلة التي يتوقعها البعض قبل عودة الرئيس ماكرون إلى بيروت مطلع سبتمبر المقبل لا مؤشرات جدية عليها حتى الآن، والالتباس حاصل بشأن حكومة وحدة وطنية ألمح إليها ماكرون في لقاء قصر الصنوبر، وكان يقصد بها حكومة يتفق ويتفاهم عليها السياسيون المختلفون حول هذه الحكومة التي تفترض عودة الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة مرحب ومرغوب فيها من جهة حزب الله، لكن طريقها غير سالكة: فمن جهة سعد الحريري غير راغب في العودة من دون دعم أو ضمانات تقيه خطر السقوط والفشل مجددا عشية الانتخابات النيابية.. من جهة ثانية، موقف حزب الله محدد باختصار على الشكل التالي:
حكومة تضم الجميع (جبران باسيل وحزب الله إذا كانت برئاسة سعد الحريري) أو لا حكومة. حكومة سياسية مطعمة باختصاصيين وخبراء (تكنو سياسية)، لكن لا وجود لـ «حكومة حيادية مستقلة».. ويبدو أن حزب الله غير مستعجل ولا يخوض سباقا مع الوقت، ولا مشكلة لديه في الانتظار أقله حتى الانتخابات الأميركية.. ومن جهة ثالثة لابد من الأخذ في الاعتبار موقف لاعب مستجد دخل على المعادلة هو «الشارع» أو الرأي العام ويرفض العودة إلى الوراء والى حكومة كان إسقاطها أولى ثمار انتفاضة 17 تشرين.
الغموض المحيط بالحكومة الجديدة المتأرجحة بين احتمالين وحدّين: حكومة انتقالية محددة المهام تحت سقف منخفض: تداعيات انفجار بيروت والإصلاحات، أو استمرار حكومة تصريف الأعمال حتى إشعار آخر، والى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.. هذا الغموض ليس موجودا في موضوع الانتخابات النيابية المبكرة التي طرحت بقوة بعد انفجار بيروت وعلى ثلاثة مستويات:
٭ المستوى الرسمي: عندما فاجأ الرئيس حسان دياب الجميع باقتراح الانتخابات المبكرة الذي سيقدمه رسميا إلى مجلس الوزراء، وهذا الاقتراح كان السبب المباشر في إطاحته من قبل الرئيس نبيه بري بعدما تجرأ على أن يلعب خارج ملعبه، وأن يحوّر في المشكلة والحل: المشكلة في مجلس النواب وليس في الحكومة، والحل في تغيير الطبقة السياسية وليس في تغيير الحكومة.
٭ المستوى السياسي: عندما انطلقت عملية الاستقالات النيابية، والتي اقتصرت على استقالات فردية من نواب «الكتائب» الثلاثة، إضافة إلى النائب بولا يعقوبيان.. ولاح احتمال حصول استقالات جماعية لنواب كتل «القوات» و«الاشتراكي» و«المستقبل»، لكن الرئيس بري دخل على الخط وأوقف هذه الحركة بأن اقترح على وليد جنبلاط وسعد الحريري لعب ورقة إسقاط الحكومة مقابل سحب ورقة الاستقالات، وتبين أن «القوات» كانت تلعب هذه الورقة من خلفية الدفع في اتجاه انتخابات مبكرة، في حين كان «المستقبل» و«الاشتراكي» يلعبانها من خلفية الضغط لإسقاط الحكومة.
٭ المستوى الشعبي: إذ ظهرت الانتخابات المبكرة شعارا أساسيا من شعارات مرحلة ما بعد الانفجار وعند مجموعات الحراك التي تعتبر أن استقالة الحكومة ليست كافية، وتضغط في اتجاه خطوات مكملة أبرزها الانتخابات المبكرة مضافا إليها استقالة رئيسي المجلس والجمهورية.
لا يمكن التأكيد بشأن الحكومة الجديدة، موعد ولادتها ورئيسها وشكلها، ولا القول ان هناك حكومة في القريب العاجل.. ولكن يمكن التأكيد أن لا انتخابات نيابية مبكرة تلوح في الأفق، وأن هذا الشعار العريض المطروح كمخرج للأزمة الراهنة سيظل شعارا تحول دون تنفيذه ونقله إلى أرض الواقع السياسي جملة عوامل أبرزها:
1 ـ الخلاف على القانون الذي ستجري على أساسه الانتخابات.. فالقانون الحالي الذي يتمسك به الطرف المسيحي (القوات والتيار)، كونه الأكثر إنصافا للمسيحيين والأكثر تعبيرا عن تعددية المجتمع اللبناني والتمثيل الشعبي الصحيح، مرفوض من بري والحريري وجنبلاط، استنادا إلى تجربة تطبيقه المخيبة في انتخابات 2018، والتي يريدها الثلاثة لمرة أولى وأخيرة، أما الدخول في عملية وضع قانون جديد للانتخابات فإنه سيكون سببا كافيا للإطاحة بالانتخابات وربما التمديد للمجلس الحالي.
2 ـ عدم جهوزية أطراف أساسيين لخوض الانتخابات وتقبل نتائجها.. هذا ينطبق مثلا على الحريري الذي ينقصه المال والدعم والتماسك السنّي حيث الساحة تتجاذبها قوى وشخصيات (نجيب ميقاتي ـ فؤاد السنيورة ـ نهاد المشنوق ـ أشرف ريفي..) ودخل إليها حديثا بهاء الحريري.. هذا ينطبق أيضا على التيار الوطني الحر الذي كان أكثر المتضررين شعبيا جراء التطورات المتلاحقة من 17 تشرين حتى اليوم.. واستطرادا فإن حزب الله ليس محبذا للانتخابات المبكرة التي ربما تحرمه الأكثرية النيابية، ومشكلته ليست على الساحة الشيعية الأكثر استقرارا وثباتا، وإنما في مكان آخر مع الخلل الحاصل على الساحة المسيحية ومع صعوبة تكرار الاختراقات على الساحة السنّية.
3 ـ الانتخابات النيابية المبكرة تفتح تلقائيا ملف رئاسة مجلس النواب ورئاسة الجمهورية، مع تعزز فكرة انتخابات رئاسية مبكرة أيضا.. وكما حدث التقاء بين بري وعون ضد دياب وإسقاط الحكومة فإن التقاء حاصلا ضد الانتخابات المبكرة وتقصير ولاية «الرئاستين».