مهما كان سببه أو حيثياته، فانفجار مرفأ بيروت جريمة موصوفة ارتكبتها الدولة اللبنانية بحق شعبها، وتركته يلملم جراح العاصمة بيده من دون أي خطوات فاعلة لإدارة الأزمة أو فرق طوارئ رسمية تعمل على الأرض. هذا الشعب الذي اعتاد الاتكال على نفسه لم يتكبد مسؤولوه عناء مساعدته على بلسمة جراحه الجسدية أو ترميم منزله حيث كان الزجاج الأكثر تضررًا وهو ما تسبب في الكم الهائل من الجرحى. الشتاء على الأبواب، سعر صرف الدولار على حاله، الوضع المعيشي نحو الاسوأ، وحال المواطن “عالحضيض” بعد أن فقد سقفا يبيت تحته مع عجزه عن إعادة تركيب النوافذ الزجاجية، حيث تحدّث العديد من المواطنين عن ارتفاع أسعار المتر من 45$ ليلامس في بعض الأحيان الـ65$، من دون ان تلمس أي نتيجة للمساعدات إن كانت خارجية أو من قبل الدولة.
مدير عام وزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر أكّد من جانبه أن “آلية تركيب الزجاج وترميم المنازل قيد المتابعة مع وزارة الصناعة، ستصل لائحة بمعدل الأسعار لنعمل على تحديدها خلال 48 ساعة”.
من جهتها، استوضحت “المركزية” مدير مصنع “الغول” للزجاج خليل الغول عن موضوع الأسعار، فأوضح أن “البضائع الموجودة في المخازن ارتفعت حوالي الـ10%، كذلك المصانع والتجار المستوردون للمواد الأولية من الخارج رفعوا بدورهم الأسعار ما بين الـ10 والـ15%. ومن بعد شراء الزجاج الخام هناك مراحل عدّة تمر فيها الصناعة قبل التسليم وتتوافر تبعاً للطلب ويتم تقاضي ثمنها بالسعر القديم. وبالتالي المتر الذي كان يباع لصغار المصنعين أو تجار الألومنيوم رفعنا سعره من 30 إلى 35$ كحد أقصى أي ما بين الـ10 والـ15% بسبب زيادة الكلفة علينا”.
وتابع “كلّ المواد الأولية والاستهلاكية خلال التصنيع (حديد، صابون، ريش…) تحتسب على سعر صرف الدولار في السوق السوداء. ولا يمكن اعتبار أن تكاليف اليد العاملة تحتسب بالليرة اللبنانية فقط لأن هناك الكثير من المعدّات المستخدمة مستوردة من الخارج أي أن النسبة المسددة بالليرة ضئيلة ولا تكفي لتغطية كلفة السلعة، قبل أزمة الدولار كنا كمصنع نركب الزجاج الصلب بحدود الـ65 والـ70$ للمتر المربع، اليوم خفّضناه إلى ما بين الـ60 والـ65$ عبر إجراء عملية حسابية تخلط ما بين التكاليف بالليرة والدولار”.
وعن إعلان وزارتي الاقتصاد والتجارة نيّتهما تحديد الأسعار، علّق الغول قائلاً: “مرّ أكثر من أسبوع على الكارثة ولم يجتمعوا بعد”، متسائلاً “كيف ستحدد أسعار في 48 ساعة وهناك عدد كبير من الأنواع والأحجام والألوان؟”، مضيفاً “صرختنا كبيرة ووزارة الاقتصاد لم تتواصل مع أي مصنع ألومنيوم أو زجاج حسب معلوماتي”.
وكشف الغول أن “أكثر من 30 ألف وحدة سكنية تضررت جرّاء الانفجار، ولا يمكن للكميات المتوافرة محلّياً تغطية أكثر من 20% من الأضرار”.
وعن المساعدات المقدمة، لفت إلى أن “لا آلية تحدد كيفية توزيعها أو مكان تخزينها واستفسرنا من جمعية “أجيالنا” التي رصدت بعضها فاتّضح أن الكميات لم تشحن بعد. كذلك، لا يمكن تسليم الزجاج للمواطن بل يجب التواصل مع المصانع وضمان توقيعها براءة الاستلام وتتبع تسليم البضائع لحفظ الشفافية، من هنا ضرورة وضع آلية تنفيذية. إلى ذلك، وبعد المواد الأولية التي يمكن أن تصل مجاناً هناك أكلاف التصنيع والتركيب فمن يسددها إذا لم تكن هناك من مبادرة فردية من المصنع للمساعدة؟ إذاً الحلقات لا تزال غير متشابكة”، وختم “الكثير من اللبنانيين في الانتشار والشركات مستعدّة للمساعدة وتواصلت معنا لكننا نواجه مشاكل في إدخال هذه المساعدات لأن ما من آلية واضحة لتتبعها أو الموافقة عليها بسرعة ومن دون معاناة بسبب البيروقراطية”.
احتكار وفواتير بالدولار… إلى ذلك، كشفت مصادر مطّلعة على الملف لـ “المركزية” أن “الدولة ممثلة بوزارة الاقتصاد غائبة حيث تقدّمنا بأكثر من إخبار ورسائل شفهية حول وجود ثلاثة تجار مواد أولية في لبنان يحتكرون السوق ويفرضون على مصانع الزجاج تسديد ثمن الفواتير مع الضريبة على القيمة المضافة (TVA) بالدولار ونقداً”.