أساطيل، سفن حربية، بوارج، طائرات وبواخر محملة مساعدات، جيوش عربية وغربية، جسور جوية، فرق تحقيق أجنبية، هكذا تبدو الصورة اليوم على مرفأ بيروت المنكوب المدمّر. الصورة سوريالية، بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”. بين ليلة وضحاها، انقلب مشهد الساحل اللبناني رأسا على عقب، وارتسمت امام شاطئنا لوحة لم يعرف لبنان مثيلا لها في تاريخه الحديث، الا مرّة.
المصادر توضح ان لبنان عرف واقعا مماثلا الى حد ما، عام 1982. يومها، نزلت على الشاطئ اللبناني قوّة متعددة الجنسيات، اثر الاجتياح الاسرائيلي، وكانت مهمة قوات حفظ السلام هذه، مراقبة انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية، وتألّفت آنذاك من قوات مشاة البحرية الاميركية وقوات البحرية الفرنسية وقوات إيطالية وبريطانية.
القوة هذه، حضرت الى بيروت اذا، بمهمة “عسكرية” محددة وصريحة. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل ان الجيوش والاساطيل التي يعج بها ساحلنا اليوم، ستكون لها أغراض سياسية – عسكرية – استراتيجية، ستتظهر تباعا بعد ان تنزع عنها الغطاء “الانساني” الذي يغلّف حتى الساعة مهمّتها في بيروت، حيث ان العنوان الذي قادها الى لبنان هو تأمين مساعدات اغاثية وطبية وغذائية واستشفائية (….) للبنانيين على اثر الكارثة التي حلّت بهم بعد تفجير المرفأ ومعه جزء لا بأس به، من العاصمة الذي استحال رمادا في غضون لحظات؟
هو سؤال مشروع، تضيف المصادر. فهذه الحركة في المتوسط ليست معزولة في المكان والزمان، بل تترافق مع حج سياسي مكثّف نحو لبنان، انطلق مع حضور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون شخصيا الى بيروت، لتكرّ بعده سبحة المسؤولين العرب والغربيين والاوروبيين. وهؤلاء، يحملون خطابا واحدا، ولو اختلفوا في بعض الاساليب والتعابير… هدفهم: تحرير السلطة والشرعية اللبنانيتين من قبضة حزب الله.
فرنسا تنشط لهذا الغرض في شكل لطيف دبلوماسي عبر الدفع نحو حكومة حقيقية غير تابعة لسطوة اي فريق سياسي، تنكب على الاصلاح والانقاذ، وهي أكدت ان الحكومة التي كانت في السلطة (حكومة 8 آذارية صافية) لا ثقة مطلقا بها وفشلت في تجربتها. أما الولايات المتحدة الاميركية، فلا تضع قفازات ولا تخفي اصرارها على الذهاب نحو حكومة مستقلة تماما عن الحزب تلاقي تطلعات الشعب اللبناني الذي ينادي منذ 17 تشرين بحكومة مستقلين وبمحاربة الفساد وبالاصلاح. حتى ان واشنطن تلوّح بعقوبات على حلفاء حزب الله هذه المرة، اذا لم يتجاوبوا مع هذا المسعى الدولي… أما العرب، فيتفقون تماما مع وجهة النظر الاميركية…
في المقابل، أطل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساء امس- على وقع كلام عالي السقف اطلقه وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف من بيروت خلال النهار- ليؤكد رفضه حكومة حياديين. وبين سطور موقفه “نرفض إخراج حزب الله من السلطة والالتفاف على نتيجة الانتخابات النيابية”، وذلك بعد ان قصف ظريف باريس ومسعاها، من دون ان يسميها، معتبرا انها – وطبعا واشنطن- تحاولان استغلال الظروف الانسانية لفرض املاءاتهما على لبنان.
وفي عود على بدء، تقول المصادر ان “القوة المتعددة الجنسيات” في نسختها الثانية، وإن لم تعلن عن نفسها رسميا، من غير المستبعد ابدا ان تكون حضرت لفرض امر واقع جديد على الارض اللبنانية، تحقق توازنا مع حزب الله المسلّح ايرانيا والممسك بزمام الامور لبنانيا، تمهيدا لقلب هذه المعادلة… واذ تذكّر ان حزب الله في الـ1982 نفّذ عمليات ضد القوات الاجنبية لاخراجها من لبنان، تسأل المصادر عما اذا كان من الممكن ان يعتمد الاسلوب نفسه اليوم اذا شعر ان الطوق يشتد حوله.. لننتظر ونرى.