في الجلسة النيابية الاستثنائية والتي قد تكون من بين الأقصر في تاريخ المجلس النيابي، أفرغ رئيس المجلس نبيه بري ما اعتصره من غضب إزاء رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب. فالأخير حاول أن يمتص الغضب الشعبي العارم في احتجاجات وسط بيروت العنيقة، بالكلام عن مشروع قانون لانجاز الانتخابات النيابية المبكرة. لكن الرجل أتى بنتائج عكسية على نفسه، فبدا كمن يطلق رصاصة على نفسه. ذلك أن هذا التصريح عبّد الطريق أمام الاطاحة بدياب بفعل دعوة الرئيس بري إلى جلسة خاصة لمساءلة الحكومة، انتهت إلى التحول إلى منصة تحدث عبرها رئيس المجلس عن مؤامرة لاطاحة ممثلي الشعب.
وفي قراءة للرسائل السياسية التي يحملها هذا الكلام العالي النبرة من بري، صاحب الباع السياسي الطويل، أشارت مصادر سياسية عبر “المركزية” إلى أن في هذا الموقف رسالة واضحة إلى الرئيس دياب، مفادها أن أي تغيير نيابي لا يمكن إلا أن يمر عبر عين التينة، ومن ورائها حزب الله بطبيعة الحال، وأن لا أحد يمكن أن يخلص نفسه عن طريق القفز فوق الرئاسة الثانية، وهو ما فعله دياب على مرحلتين، يوم السبت عند طرح الانتخابات النيابية المبكرة من دون التشاور في هذا الخيار مع بري أو حزب الله، وبالاسراع إلى تقديم استقالته عصر الاثنين الفائت مستبقا بذلك الجلسة النيابية التي هدفت أصلا إلى تطيير الحكومة، وهو ما اعترف به عضو هيئة مكتب المجلس النائب آلان عون من على منبر عين التينة تحديدا.
على أي حال، فإن دياب قال كلمته ومشى تاركا المعارضة تتلقى هي أيضا الرسائل القاسية من بري، الذي تحدث عن المؤامرة ردا على خطوة الكتائب والنواب المستقلين لجهة التخلي عن المقعد النيابي، في وقت تراجعت القوات عن هذه الخطوة في اللحظة الأخيرة، بعدما أيقنت أن الحزب الاشتراكي لن “يخون” التيار الأزرق بالاقدام على الاستقالة من دون ان يضمن قرارا مماثلا لم يتخذه بيت الوسط حتى اللحظة، للحسابات السياسية المعروفة، وإن كانت النائب ديما جمالي التي جهدت للاحتفاظ بمقعدها الطرابلسي في فرعية 2019 قد تفردت في الاستقالة لأسباب شخصية وسياسية.
على أن الأهم بحسب المصادر يكمن في أن رئيس القوات سمير جعجع فهم الرسالة جيدا، بعدما جهد لاقناع الكتائب، من دون جدوى، بالتراجع عن الاستقالة، لتبقى المعارضة حاضرة بقوة في المجلس وتؤمن التوازن السياسي المطلوب. إلا أنه لم يفوت على نفسه فرصة رد الصاع صاعين لرئيس المجلس، فكان أن أعلنت القوات أنها تعد اقتراح قانون تقصير ولاية المجلس، مع العلم أن كانت للكتائب تجربة مماثلة لم تبلغ النهاية السعيدة، وهو أحد الأسباب التي دفعت الكتلة الكتائبية الثلاثية إلى الخروج من المجلس.
وفي الانتظار، وبعد استقالة الحكومة، وإطاحة الانتخابات النيابية المبكرة، هل يكفي الرهان على التحقيقات القضائية لضمان المحاسبة عن جريمة المرفأ؟ كل هذا مع العلم أن التحقيق الدولي واجه ايضا مطبات لبنانية تبدأ برئاسة الجمهورية ولا تنتهي عند حزب الله…