بالتزامن مع انتقال فريق من محققي فرع المعلومات إلى قبرص للاستماع إلى إفادة مالك السفينة روسوس التي نقلت نيترات الأمونيوم إلى بيروت عام 2013، ينضم غداً محققون من مكتب التحقيق الفيدرالي الأميركي FBI، إلى المحققين اللبنانيين والأجانب العاملين في موقع انفجار المرفأ، وهي فرق تركية وروسية ومغربية وقطرية وفرنسية، جميعهم، باستثناء الفرنسيين، لم يتّصلوا بالقضاء، بل حضروا بتنسيق مع الجيش اللبناني “للمساعدة في البحث عن مفقودين”، في حين ان الفريق الفرنسي المؤلف من 32 شخصاً يعمل في جمع الأدلة وفي البحث عن المفقودين بناءً على طلب المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات. ومع تحويل القضية الى المجلس العدلي وتعيين القاضي فادي صوان محققاً عدليا، هل تعطي كل هذه المعطيات مصداقية لمسار التحقيق؟
استاذ القانون الدولي ورئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية الدكتور بول مرقص اوضح لـ”المركزية” “أن المشكلة في المجلس العدلي أن التحقيقات العدلية أمامه تطول سنين عديدة وأحيانا كثيرة لا تسفر. هو يختص بالنظر في الجرائم الواقعة على أمن الدولة وجرائم الأسلحة وسواها من الجرائم المهمة وتحال إليه من مجلس الوزراء. يرأسه الرئيس الأول وأعضاؤه من القضاة بدرجات رفيعة. عشرات التفجيرات والاغتيالات أحيلت إليه وبعض الملفات ليست فيها أوراق كثيرة لغاية تاريخه. رغم ذلك، معظم التحقيقات التي أحيلت إليه من المحقق العدلي صدرت فيها قرارات من المجلس. بقيت ثلاثة فقط، واحد يتعلق بالتعويضات الشخصية وإثنان أرجئا للمرافعة، إضافةً إلى قضية اخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه التي تطلّبت التوسّع في التحقيق. ففي ملف نهر البارد، جرى تفريع الملفات إلى 54، وعقدت أكثر من جلسة في الأسبوع حتى بلغ عدد القرارات في هذه الملفات 63″، مشددا على “ان المحقق العدلي مفتاح الملفات. إذا أطال التحقيقات أو لم تفضِ تحقيقاته فلا مآل للمحاكمة. أمامه يدّعي النائب العام التمييزي والمحقّق العدلي يصدر جميع المذكرات التي يقتضيها التحقيق. تسميته تتطلب موافقة كل من وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى، فيعيّنه الوزير بناء على موافقة المجلس”.
وعن التحقيق الدولي قال: “الأصل والمبدأ أن التحقيق والملاحقة تجريهما السلطات المحلية في نطاقها الجغرافي إلا في حالات استثنائية تتنازل فيها عن السيادة القانونية والاختصاص القضائي المحلي لهذه الجهة. ويكون ذلك بمقتضى المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة حيث كل الدول تلتزم قرارات مجلس الامن والمادة 39 من الميثاق التي تنص على الصلاحية الأممية عند تهديد السلم والأمن العالميين ومن ذلك الأعمال الإرهابية وانتشار الأسلحة…”
وتابع: “لكل من التحقيق المحلي والتحقيق الدولي حسناته وسلبياته. وبين سلبيات التحقيق الداخلي – الذي من المرجح ألا يسفر – والتحقيق الدولي – الذي نخشى أن يأخذنا إلى استهدافات سياسية – نختار التحقيق الدولي. وهنا أعتزّ بموقف نقابة المحامين التي اتخذت صفة الإدعاء الشخصي ودعوة نقيب المحامين في بيروت إلى استقدام خبرات دولية في التحقيق. ممكن أن تبدأ التحقيقات الدولية ببعثة تقصي حقائق ثم بلجنة تحقيق دولية وصولاً إلى القضاء الدولي لدى المحكمة الجنائية الدولية الدائمة المنشأة بموجب نظام روما لعام 1998 أو محكمة خاصة Ad Hoc تنشأ خصيصاً لهذه الغاية. وربط الاختصاص الدولي يستند إلى الأسباب التالية: أن الجريمة ترقى إلى مستوى الجرائم الدولية (إرهاب، جرائم ضد الانسانية…) وأصفها بـ11 أيلول اللبناني. موقع الجريمة ليس منطقة داخلية معزولة بل مرفأ دولي متوسّطي تمرّ فيه الملاحة الدولية والسفن الدولية. التضارب في المصالح conflict of interests لدى السلطة القائمة بالتحقيق الداخلي حيث أن جزءا منها على الأقل كان يجب ان تتحرّك أو الاستجابة. فرضية استعمال مواد غير تقليدية في التخزين أو استهدافها بمواد غير تقليدية. عدم وجود برنامج متكامل في لبنان لحماية الشهود”، لافتا الى “ان الممرّ الالزامي للتحقيق الدولي هو مجلس الأمن بأغلبية أقلها 9 من أصل 15 دولة على ألا تستعمل أي من الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض-الفيتو. ومن لجان التحقيق التي شكّلت: يوغسلافيا 1992 ودارفور 2004-2006 وسواها الكثير”.
وطرح مرقص جملة تساؤلات تحتاج الى إجابات من المسؤولين فقال: “ما معنى إعلان الحكومة حال الطوارئ؟ وما معنى فرض الإقامة الجبرية؟ وعلى من؟ وأين؟ ليس التخزين وما يؤدي إليه سوء استعمال بروتوكولاته من خرق السلامة العامة والأمن القومي من اختصاص قضاء العجلة ودائرة التفيذ وهيئة القضايا. لماذا لم يطرح الموضوع على مجلس الوزراء طوال 6 سنوات؟ أين خليّة الأزمة في الساعات الأولى للانفجار؟ وأين تطبيق سياسة الإفادة والتحرّك الفوري Incident reporting policy؟ كيف يترك المسؤولون عن الكارثة في مكاتبهم مع حق الدخول إليه حتى أيام العطل الرسمية؟ ماذا لو عبثوا بالأوراق والمراسلات الرسمية إضافة أو نقصاناً؟ ما معنى التسلّم والتسليم بين الوزراء ؟ أهو فقط حفلة بروتوكولية لالتقاط الصور والقاء الخطابات أو فرصة لمكاشفة الوزير الجديد بالقضايا العالقة وأوّلها عنبر الموت؟”