كتبت كارولين عاكوم في صحيفة “الشرق الأوسط”:
في ظل الانقسام العامودي بين الفرقاء اللبنانيين حول مقاربتهم للحكومة المقبلة، وشكلها وهوية رئيسها، مع ما يرافق هذا الأمر من تدخلات وتمنيات خارجية، خرج أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله للقول إن أي حديث عن حكومة حيادية هو مضيعة للوقت. هذا الموقف، وما سبقه من مواقف لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ومساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وما نقل عن مجالسهم، ينذر بلا أدنى شك بمرحلة صعبة من المشاورات السياسية التي تسبق تحديد موعد للاستشارات النيابية لتسمية رئيس جديد للحكومة، وهي قد تطول إلى ما بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت، المحددة بداية الشهر المقبل، بحسب ما تجمع عليه مصادر مطلعة على المشاورات، وأخرى وزارية في «التيار الوطني الحر».
وتقول المصادر الوزارية لـ«الشرق الأوسط» إنه لا شك في أنه سيكون هناك تأخير ببدء الاستشارات النيابية، والدخول في مرحلة التشكيل، لأن الآراء مختلفة، وكل فريق لديه رأيه، وهذا الأمر مرتبط مباشرة بعدم وضوح الخيارات عند الأطراف، وهو ما يحول دون أي توافق على شكل الحكومة أو هوية رئيسها.
وتلفت المصادر إلى أن الاتصالات التي حصلت خلال الـ48 ساعة الأخيرة لم تؤدِّ إلى أي نتيجة أو تفاهم حول شخص الرئيس. وبالتالي، فقبل التوافق على الاسم، يبدو من الصعب الدعوة إلى استشارات نيابية، مؤكدة على ضرورة التلازم بين المسارين أكثر من المرة الماضية.
وترى المصادر أنه «من الصعب أن يحصل أي تفاهم خلال الأسبوعين المقبلين، وبالتالي فهناك خوف من أن يأتي ماكرون في أول الشهر المقبل، وألا يكون حتى قد تم تكليف رئيس للحكومة. وإذا بقيت الأمور على ما هي، فمن الصعب الوصول إلى نتيجة في الأسبوعين المقبلين، ما لم يطرأ أمر ما فوق الطبيعة يغير هذا الواقع».
وعن موقف رئيس الجمهورية، تقول المصادر إن الرئيس عون يميل إلى حكومة وحدة وطنية، والأفضل أن تكون حكومة أقطاب، لأنه يريد أن يشارك الجميع في ورشة الإصلاح، ومكافحة الفساد، إلا إذا اختار فريق ما عدم المشاركة، عندها يكون هو قد عزل نفسه.
وفي حين تلفت المصادر إلى أن بورصة الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة لا تزال نفسها، بين رئيس الحكومة السابق سعد الحريري والسفير نواف سلام، وأضيف إليها في الساعات الأخيرة الوزير السابق خالد قباني، تشير مصادر مطلعة على المشاورات إلى أن المباحثات تتركز بشكل أساسي نحو الحريري، خاصة في ظل الدعم الواضح له، الأميركي والفرنسي على حد سواء.
وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن المشاورات حتى الساعة لا تنذر بإمكانية التوصل إلى اتفاق قريب حول اسم رئيس الحكومة وشكلها، لافتة إلى خلاف في المقاربات بين أفرقاء المعارضة نفسها، وتحديداً بين «الاشتراكي» و«القوات» و«تيار المستقبل»، خاصة بعدما كانوا قد اتفقوا على الاستقالة من البرلمان، وعاد «الاشتراكي» و«المستقبل» ليتراجعا عن الخطوة بعد زيارة ماكرون إلى بيروت.
وفي حين تلمح المصادر إلى أن مشاورات تشكيل الحكومة تتشابك معها تلك المتعلقة بانتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة، والخلاف بشأنها بين هؤلاء الأفرقاء، تلفت إلى خلافات في التفاصيل فيما بينهم تحول دون توحيد الموقف حتى الساعة.
لكن في المقابل، ورغم هذا الانقسام، وما تعلنه المعارضة عن تأييد لحكومة حيادية، تؤكد المصادر أن «هذا المطلب غير قابل للتنفيذ، في ظل رفض الطائفة السنية تكرار تجربة حكومة حسان دياب. والآن، الدفع باتجاه عودة الحريري بات مدعوماً بموقف فرنسي وأميركي». من هنا، وفيما تلفت إلى تراجع في موقف رئيس «التيار الوطني الحر»، جبران باسيل، خاصة بعد زيارة ماكرون، ترى أن الحل سيكون عبر حكومة انتقالية، برئاسة الحريري، تضم ممثلين لـ«التيار الوطني الحر»، وليس باسيل، وشخصيات غير حزبية يسميها «حزب الله».
ولا يختلف «الحزب التقدمي الاشتراكي» عن ما تقوله المصادر لجهة التأخير في تأليف الحكومة، وهو ما يعبر عنه رامي الريس، مستشار رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن أحد ليتوهم بأن عملية تشكيل الحكومة الجديدة ستكون بمثابة نزهة سياسية، وثمة تعقيدات كبرى تتصل بهويتها وطبيعتها وتركيبتها وحجمها، لا سيما في ظل عدم تبلور الاتصالات السياسية، لا في بعدها الخارجي ولا في شقها المحلي»، آملاً «ألا نكون أمام مرحلة طويلة من تصريف الأعمال لأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي لا يحتمل، وقد تفاقم بشكل درامي بعد انفجار بيروت».
وعن موقف نصر الله الرافض رفضاً قاطعاً لحكومة حيادية، قال: «لطالما كان حزب الله معارضاً للحكومات المحايدة لاعتباراته المعروفة وحساباته السياسية، وليس هناك ما تغير في هذا المجال».