تحوّل لبنان منذ إنفجار المرفأ في 4 الجاري الى محجّ أجنبي لمسؤولين عرب وأقليميين وغربيين أبرزهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من اجل اعلان التضامن مع الشعب اللبناني المنكوب وللإشراف على المساعدات الطبّية والغذائية المقدّمة من بلدهم.
وشكّلت زيارات التضامن مناسبة لإطلاق رسائل سياسية في اتّجاه الداخل اللبناني ومن ورائه الدول المعنية بالملف اللبناني، لاسيما وانها تزامنت مع حركة بوارج عسكرية محمّلة بالمساعدات الإنسانية في اتّجاه الشاطئ اللبناني بدت بيروت من خلالها انها محور العالم ونقطة تجاذب وصراع اقليمي ودولي.
وبدت لافتة في الاطار سلسلة المواقف التي اطلقها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف عبر صندوق بريد لبنان الى من يعنيهم الامر وهو الذي “استعجل” زيارة بيروت بالتزامن مع وجود مساعد وزير الخارجية الاميركي السفير ديفيد هيل بعدما ارجأ نائب رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية زيارة كانت متوقعة يوم الاحد الماضي من دون معرفة اسباب التأجيل.
ومع ان الزائر الايراني كرر ما اعلنه نظراؤه من دول اخرى لجهة التضامن مع لبنان في تجاوز انفجار المرفأ وتقديم المساعدات، غير ان ما صرّح به لتلفزيون “الميادين” كان لافتاً بمضمونه وتقرأ بين سطوره رسالة مباشرة الى ماكرون تحديداً الذي كان اوّل من سارع الى زيارة بيروت وتجوّل في الاحياء المتضررة، لافتاً الى ان لبنان بحاجة الى تغيير سياسي”.
فهو الى جانب إنتقاده وجود البوارج الاجنبية على السواحل اللبنانية، واصفاً ذلك بغير الطبيعي ويُهدد الشعب اللبناني ومقاومته، اشار الى ان لبنان حكومةً وشعباً يقرران في شأن الحكومة ويجب الا يستغل المرء الوضع المأساوي لفرض املاءاته، معتبراً ان المساعدات للبنان لا يجب ان تكون مشروطة وان على الدول الا تستغل هذه الظروف الصعبة لتحقيق مآرب خاصة، والدول الاوروبية تقوم بمبادرات كثيرة، لكن الادارة الاميركية اثبتت انها اعجز من فهم حقيقة الوضع في المنطقة ولبنان وفلسطين”.
فمن هو المعني تحديداً بكلام ظريف؟ ولماذا صوّب اكثر من مرّة حديثه في اتّجاه المساعدات الخارجية للبنان؟ هل تتوجّس ايران من ان تُشكّل هذه المساعدات الانسانية السريعة التي فُتحت “حنفيتها” على انقاض انفجار المرفأ مدخلاً لإعادة لبنان الى المنظومة الدولية الطبيعية بعدما شطح كثيراً صوب المحور المعادي الذي تقوده الجمهورية الاسلامية؟ ولماذا تطالب ايران لبنان بأن يطلب منها ان تساعده؟ هل طلب لبنان من اي دولة خارجية ان تساعده؟ ولماذا تصرّ ايران على ان يتم الطلب منها؟
وإستطراداً لماذا يُصعّد الايراني من بيروت موقفه لاسيما ضد فرنسا؟ فماذا تريد طهران من باريس والعواصم الاوروبية في الوقت الحاضر؟ هل تريد القول ان لبنان لا يزال ضمن منظومة النفوذ الايراني في المنطقة وانها تتحكّم بقراره؟ وهل تريد بعث رسالة من الساحة اللبنانية الى الرئيس الاميركي دونالد ترامب عشية انتخاباته؟
اوساط دبلوماسية غربية اعتبرت عبر “المركزية” “ان ايران تحاول من الساحة اللبنانية، وهي الوحيدة المتبقية لها في المنطقة، ان تعقد صفقة مع اميركا او ان تهيّئ للمفاوضات معها بعدما فقدت بشكل تدريجي تأثيرها في ساحات عربية اخرى. ويأتي في الاطار ما كشفته معلومات عن استئناف المفاوضات التمهيدية بين مسؤولين اميركيين وايرانيين في عُمان منذ اسبوع.
ولفتت الى “ان التطورات المتسارعة في المنطقة، لاسيما الاتّفاق الاماراتي-الاسرائيلي بتطبيع العلاقات ودلالاته واهميته عشية الانتخابات الاميركية، جعلت الجانب الايراني حذراً من نتائجها، لذلك يسعى من خلال الساحة اللبنانية لارسال اكثر من رسالة الى الخارج، لاسيما الى الفرنسي ومن ورائه الاميركي. من هنا، فان لبنان يسير في حقل الغام دولي واقليمي لن يكون الخروج منه قريباً وسهلاً اقلّه قبل موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية في الخريف المقبل”.