لو قيض لـ”مذكرة لبنان والحياد الناشط” أن تولد في زمن مغاير وظروف مختلفة عن تلك السائدة اليوم، لاستوفت حقها بالكامل وأخذت مداها الواسع في النقاش اللبناني الداخلي. صحيح انها استبقت النكبة الكبرى والكارثة الاعنف التي ضربت لبنان في 4 آب من حيث طرحها في سوق التداول السياسي وابداء الرأي الذي سرعان ما اعاد تظهير الانقسامات السياسية العمودية بين اللبنانيين وفرزهم بين محوري 8 و14 اذار، بيد ان اعلانها من الديمان بما تضمنت من نقاط رئيسية، لا يمكن لأي وطني عن حق يحرص على انقاذ الوطن وعدم زواله عن الخريطة العالمية قريبا اذا لم يطبق الحياد، ان يرفضه، كان يفترض ان تقارب بطريقة مختلفة بعيدا من ردات الفعل الفورية التي تولاها فريق 8 اذار الذي، وكما تقول اوساط سياسية معارضة لـ” المركزية”، عكست مواقفه اعداد احكام مسبقة ظهر من خلالها كأنه لم يقرأ مضمون المذكرة، ولا حتى كلف نفسه عناء قراءتها والاهتمام بما فيها، كان همه الاوحد القنص عليها والبحث عن ثغرات، هي فعليا غير موجودة، لاستثمارها في مجال ضربها وبذل كل جهد ممكن لاجهاضها في مهدها.
هذا الفريق، تضيف الاوساط، ينظر الى المذكرة المنسوجة لبنانيا والمغطاة فاتيكانيا والمدعومة من دول الغرب، باعتبارها قوة عصف يكاد مفعولها يوازي تأثير سطوة السلاح الذي يفرض به ما يريد على البلد الى درجة التحكم بمصيره ومصير شعبه منذ اكثر من 15 عاماً على الاقل، فالحياد اذا ما تحوّل الى امر واقع، بما يفرض من اجراءات، سيقطع الشريان الحيوي عن المدّ الخارجي بالسلاح للقوى التي تملكه راهنا ويعطّل مشروعها الاقليمي العابر للحدود، من هنا يمكن فهم الهجمة الشرسة التي شنها الفريق المشار اليه على الحياد ومشروعه، ولو انه حاذر توجيه نيرانه مباشرة نحو سيد بكركي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، لما يكتنف هذا الاستهداف من مخاطر قد تنعكس مباشرة على علاقة مكونات 8 اذار بعضهم ببعض.
المذكرة التاريخية، تعتبر الاوساط، انها جاءت في توقيت دقيق ولحظة مصيرية كان يفترض ان يحتفل فيها اللبنانيون بمئوية لبنان الكبير، فكان ان تزلزلت الارض وتحطمت الاحلام بفعل سياسات المسؤولين الرعناء التي اصرت على انخراط لبنان في محور يواجه المجتمع الدولي الى درجة تكاد تُفقده كل قدرة على المواجهة والصمود والاستمرار، من دون ان يرف لهؤلاء جفن. والانكى انهم عوض الاقرار بالخطأ ومحاولة ركوب موجة الانقاذ بتحييد لبنان عن صراعات المحاور الاقليمية والدولية القاتلة التي يجنون ثمارها انهيارات متتالية، فتحوا نيرانهم على الحياد وراحوا يبحثون عن ذرائع لا “تركب على قوس قزح” ولا تقنع طفلا صغيرا، تارة باعتبار الحياد غير جائز في ظل وجود دولة عدوة هي اسرائيل، واخرى بالتذكير بمزارع شبعا المحتلة وتلال كفرشوبا التي ترفض سوريا حتى اللحظة الاقرار بلبنانيتها، في حين ان مذكرة بكركي فنّدت بالتفاصيل بنود الحياد التي تلحظ كيفية التعاطي مع مجمل هذه الملفات، لمن يريد ان يقرأ. لكن يبدو ان ثمة كثيرين، ومن اهل البيت الماروني تحديدا لا يريدون ان يقرأوا ولا ان يفهموا ما في المذكرة، كون ارتباطاتهم وتحالفاتهم ابعد من الحياد ومذكراته. ولكن، تختم الاوساط، مهما بلغت المقاومة،لا بد للحياد ان يفتح صفحة سياسية جديدة ومرحلة اخرى في لبنان ستستمد مقوماتها من كل نداء ووثيقة لبنانية او قرار دولي، يؤكد منطق القانون والدولة والسلاح الشرعي فقط لا غير، ومفاعيل نداء المطارنة خير دليل.