كتب أحمد الأيوبي في “اللواء”:
فتح تفجيرُ الرابع من آب الأعين على مسائل شديدة الخطورة جرى التهاون بها مع بسط «حزب الله» سيطرته على مرافق لبنان الحيوية، وفي رأس القائمة مرفأ بيروت بعد ضمانه سكوت الطبقة السياسية، رَغـَباً أو رَهَباً، حتى أصبحت التجارةُ والسلاح والموادُّ الخطرة تتقاطر جنباً إلى جنب إلى المرفأ، الأمر الذي خلق بيئة غير مسبوقة من الفساد والاختراق الأمني والسياسي لأجهزة الدولة، هيّأت المسرح لوقوع الكارثة الهائلة التي ألمّت ببيروت وأهلها.
ضرورة التحقيق في المواد المختفية
ومع تدفّق القوات الأجنبية إلى بيروت واتساع الجهات المشاركة في التحقيق في جريمة التفجير الهائلة، والتي باتت تشمل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، إضافة إلى ثلاث فرق تحقيق: فرنسية وتركية وروسية، يجدر لفت الانتباه إلى الحركة الموازية الجارية لنقل مواد مشبوهة عبر المناطق، منها الذوق (المعمل الحراري) ومنها الجية وطرابلس وعكار والزهراني، وهنا يمكن الربط مع ما قاله النائب نهاد المشنوق في مؤتمره الصحافي الأخير عندما سأل:«أيّ قاضٍ لبنانيّ يتجرّأ على الإعلان عن العثور على بقايا صواريخ بين الأشلاء والدمار؟ وأي قاضٍ يتجرّأ على الإعلان أنّ حجم الانفجار هو 1350 طناً وليس 2750 وأين اختفت الـ1400 طنّ الأخرى من نيترات الأمونيوم»، كاشفا أيضاً عن «أكياس صغيرة وزنها 50 كيلوغرام كانت بين أكياس كلّ منها تحمل ألف كيلوغرام أمونيوم في العنبر رقم 12».
من يمنع إتلاف المواد المشبوهة ولصالح من؟
هذه الأسئلة التي جاءت في سياق اتهام المشنوق للعدو الإسرائيلي بالضلوع في هجوم أدى إلى تدمير المرفأ وجزء كبير من العاصمة، تستدعي أن يتوسع المحققون الدوليون في متابعة مسار المواد المشبوهة التي يجري الحديث عن نقلها في مناطق متعدّدة، حيث لا يمكن الوثوق بما يصدر عن الجهات الرسمية بخصوصها، لأنها خاضعة لهيمنة السلطة السياسة اللاهثة وراء تدمير مسرح الجريمة وطيّ صفحتها كسائر الجرائم المرتكبة في لبنان.
السؤال الأخطر في هذا المجال هو لماذا الإصرار على عدم تلف المواد الخطرة وعدم إخضاعها للآليات العلمية المتعارف عليها، ومواصلة التطواف بها في المناطق والعمل على تخبئتها والحفاظ عليها رغم كلّ المخاطر التي تحملها، ولصالح من يُراد تخزينها، ومن هي القوة التي تتحكم بحركة هذه المواد على الأراضي اللبنانية، لأن الواضح أنه يجري تجاوز القضاء والأمن في معظم ما يجري في هذا الخصوص.
ماذا جرى في معمل الذوق؟
ومن المخاطر التي كشفها تفجير مرفأ بيروت توزيع «مواد قابلة للانفجار» على عدد من المرافق والمرافئ، منها ما كشفه النائب شامل روكز عندما قدّم معلومات عن وجود كميات كبيرة من مادة الهيدروجين والمواد الكيميائية في معمل الكهرباء القديم في الذوق، مشيراً إلى أنّ خطورتها لا تكمن بالمواد نفسها فقط، بل بوجودها إلى جانب خزّانات و«بونبونات» هيدروجين مرتبطة بالفيول، ومن شأن أيّ حادث أن يتسبب بانفجارها لنصبح أمام زلزال أكبر من الذي أحدثه تفجير مرفأ بيروت، فهي مخزنة بشكل سيىء وموضوعة في معمل قديم، وكانت ذريعة استخدامها لتنظيف المحركات، معتبراً إعلانه إخباراً للنيابة العامة.
ولفت روكز إلى أنّه تبعاً للبحث والتدقيق الذي قام به الخبراء والمحققون، تم اكتشاف أن المواد الموجودة في المعمل خطرة وقابلة للانفجار، ومن هنا بدأوا بإزالتها تفادياً لأيّ كارثة جديدة، داعياً إلى أن يحصل مسح لكل المعامل والمرافئ والمؤسسات التي قد يكون بداخلها مواد خطرة.
إلاّ أنّ ثورة أهالي الذوق الذين تابعوا عملية إخراج تلك الموادّ كشفت أنها نيترات الأمونيوم كما أظهرت الصور التي وزعها الأهالي، الأمر الذي طرح المزيد من علامات الاستفهام، ورجح صحة الحديث عن إخراج كميات كبيرة من مخزون المرفأ قبل وقوع الانفجار لأسباب غير معلومة، فهل ما جرى كان تهريباً لهذه المواد خشية وقوع هجوم إسرائيلي، ليبقى تخزينها في معامل الكهرباء جريمة إضافية مهما كانت الأسباب.
وذكرت مصادر متابعة أنّ كمية المواد في معمل الذوق قد تصل إلى الثلاثين مستوعباً، متسائلة كيف تصرّ وزارة الطاقة على عدم خطورتها بينما يأمر القضاء بإزالتها، وهل يعتبر نقل هذه المواد ووضعها في المناطق الجبلية «إزالة» لها؟ أين هم الخبراء الذين يفترض أن يشرفوا على هذه العملية وأين هي الوسائل التقنية المستخدمة، وهل يمكن استخدام سائق شاحنة للنقل والرمي في جرود كسروان لتنتهي المشكلة، وأين هي مسؤولية الأجهزة الأمنية والقضائية؟
مخاطر متنقلة
وفي إطار متابعة هذا الملف، وردت تسريبات بأنه يجري التحضير لنقل المواد المخزنة في معمل الذوق إلى عكار، وهذا يعني غياب الآلية العلمية للتعامل مع هذه المواد، أو إصراراً على الاحتفاظ بها لغايات أقلّ ما يقال عنها بأنها مشبوهة، فلصالح من يجري حملها من منطقة إلى أخرى ويتجاهل المعنيون وجوب إتلافها وفق الطرق العلمية الصحيحة؟
وفي إقليم الخروب تسرّبت معلومات أثارت مخاوف الأهالي من وجود مواد قابلة للانفجار في معمل الجية للكهرباء، فتواصل رئيس بلدية جدرا الأب جوزيف القزي مع المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات الذي بادر إلى تكليف شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي الكشف على المعمل ومحتوياته على أن يبنى على النتيجة بعد الكشف.
في طرابلس إنتشر تسجيل صوتيّ تدعو فيه المتحدثةُ قريبتها في المدينة إلى مغادرتها فوراً والابتعاد عن الميناء تحديداً وطرابلس عموماً، لأنه سيحصل فيها أسوأ مما حصل في بيروت وسيكون شديد البشاعة، مما أثار المخاوف من وصول «المواد الخطرة» إلى المرفأ.
نحو الكشف الشامل بمواكبة دولية
وفي قراءة إجمالية للواقع بعد حصول تفجير بيروت، فإنه لم يعد ممكناً استبعادُ أيّة فرضية ولم يعد جائزاً إهمالُ أيّة مخاوف ولا التقليل من أهمية أيّ تحذير، وهذا يستوجب الكشف الميداني الأمني والقضائي التلقائي على كلّ المرافق العامة، بما في ذلك مرافئ طرابلس وصيدا وصور، ومعامل الكهرباء في الزهراني ودير عمار وغيرها، والاستعانة بالخبرات العربية والأجنبية الصديقة الموجودة حالياً في بيروت للمساعدة في مواجهة تداعيات كارثة انفجار مرفأ العاصمة المنكوبة، بمواكبةٍ إعلامية ومشاركة المجتمع المدني، لأنّ مصادر متقاطعة تشير إلى وجود هذه المواد في أكثر من نقطة من هذه المصانع والمرافئ وتدعو إلى مسارعة الكشف عنها.
الخوف على طرابلس مضاعف
تأخذ المخاوف بُعداً استثنائياً في طرابلس، نظراً لملاصقة مرفئها لمكبّ النفايات الذي تجاوز عمرَه المحدّدَ منذ سنوات، وأصبح يشكّل «قنبلة غازية» يمكن أن تقضي على المدينة في حال انفجارها. لذلك، ينبغي الكشفُ على كلّ مساحات المرفأ وخاصة تلك المهملة أو التي تحوي المستوعبات المصادَرة، ويجب تفقّد أطراف المكبّ من البحر والبرّ ومسح كلّ الموجودات التي في جواره، ثم إصدار بياناتٍ واضحة من الأجهزة الأمنية والقضائية والإدارية تؤكّد خُلوَّ المرفأ من أيّ موادّ خطرة، رَفعاً للمسؤولية وتحديداً لها، في حال حصول حوادث خطرة لا سمح الله.
المطلوب، بعد سقوط النواب في الامتحان، من المجتمع المدني وكلّ الشرفاء في طرابلس وعكار وجميع المناطق المعنية التحرّك لحسم الموقف والوصول إلى إعلان مدينتهم وسائر المدن خالية من المواد المتفجرة، بما يُحلّ الاطمئنان (النسبيّ) في القلوب التي روّعتها ولا تزال جريمة تفجير بيروت، لأنه يبدو أنّ هناك من يريد تفجير لبنان!