بندر الدوشي – “العربية”:
بعد صدور قرار المحكمة الدولية في قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الراحل، رفيق الحريري، والتي اتهمت فيه قيادياً بحزب الله بالضلوع في تنفيذ الاغتيال، فيما برأت 3 آخرين – أعضاء حزب الله – لعدم كفاية الأدلة، بدا واضحا أن القرار يتناقض مع تحقيق الأمم المتحدة بقيادة المدعي العام الألماني، ديتليف ميليس، والذي وجه اتهامات إلى أكثر من 20 مشتبهاً، من بينهم عدد من كبار المسؤولين اللبنانيين وكبار المسؤولين السوريين على عكس نتائج المحكمة الدولية يوم أمس.
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” New york Times: لقد تم إحالة قضية الاغتيال إلى محكمة في بلد بعيد عن مسرح الجريمة، ولم يتم احتجاز أي من المتهمين. وقد كلفت المحكمة مئات الملايين من الدولارات في الملاحقات القضائية وتوظيف جيوش من المحققين والباحثين والمحامين. ولكن عندما يصدر يوم الثلاثاء الحكم في قضية سياسية بالغة الأهمية في تاريخ لبنان الحديث، ترك البلد دون إحساس بإنهاء القضية وفشل في الإجابة حتى على السؤال الأساسي: من الذي أمر بالقتل؟.
وبالنسبة للهجوم الانتحاري الضخم بسيارة مفخخة في بيروت عام 2005 الذي هز الشرق الأوسط وقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري و21 آخرين، برأت محكمة تدعمها الأمم المتحدة في هولندا 3 متهمين لعدم كفاية الأدلة. وأدين الرجل الرابع وهو سليم عياش بالمشاركة في مؤامرة لتنفيذ التفجير. ولكن إذا تم القبض عليه في أي وقت، فسيتعين على المحكمة محاكمته مرة أخرى، حيث إنه حوكم غيابياً.
لقد خيب الحكم الذي طال انتظاره آمال العديد من اللبنانيين من المحكمة الخاصة بلبنان، التي تم إنشاؤها في عام 2009 بناء على طلب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث كان اللبنانيون يأملون في أن يكشف التحقيق الدولي الجناة، ويُعاقب المسؤولين عن الجريمة. وتكسر حلقة الإفلات من العقاب على جرائم القتل السياسية في لبنان.
ورغم أن المحكمة قالت إن لدى سوريا وحزب الله، الجماعة اللبنانية المسلحة القوية، دوافع “للقضاء” على الحريري، إلا أنها قالت إنها تفتقر إلى الأدلة المباشرة التي تثبت تورطهما في الجريمة.
وقال نديم حوري، المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي، وهي مركز أبحاث مقره باريس: “الأمر يشبه أحداث 11 أيلول، حيث تم تسمية الخاطفين وليس أسامة بن لادن”.
ويضيف التقرير ، لقد كان رفيق الحريري شخصية بالغة الأهمية في السياسة اللبنانية، ورجل أعمال وملياردير يتمتع بشخصية كاريزمية له علاقات واسعة في الولايات المتحدة وأوروبا والمملكة العربية السعودية، واستخدم ثروته وعلاقاته لدفع عجلة النمو في لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية الكارثية التي استمرت 15 عاماً في عام 1990.
لكن مقتله في عام 2005 كان إيذاناً بعهد جديد مضطرب في السياسة اللبنانية، تنافست خلاله كتلته السياسية المنحازة للغرب والخليج على السلطة مع خصوم تدعمهم سوريا وإيران، بما في ذلك حزب الله الميليشيا المسلحة القوية والحزب السياسي. وتبع ذلك سلسلة من الاغتيالات لشخصيات بارزة أخرى، ولم يتم التعرف على أي من الجناة أو معاقبتهم.
وفي البداية، كان العديد من اللبنانيين يأملون في أن يوفر إنشاء المحكمة الدولية وسيلة لتحقيق العدالة. لكن التحقيق وجلسات الاستماع استمرا مع تلاشي عملية القتل في الماضي.. وفي الأشهر الأخيرة، اندلعت الاحتجاجات على الفساد وسوء الإدارة ضد النخبة السياسية، وانهار الاقتصاد والعملة بالكامل كما تعانى البلاد من انفجار ضخم وقع فى مرفأ بيروت وأسفر عن مصرع أكثر من 170 شخصا وإصابة 6 آلاف آخرين.
وقالت مها يحيى، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، هناك شعور كما لو أن المحكمة “من حقبة مختلفة”. وجاء الحكم في الوقت الذي يتجادل فيه السياسيون اللبنانيون حول إمكانية إجراء تحقيق دولي في انفجار بيروت. ويمكن أن تؤدي قناعاتها المحدودة إلى تقويض الآمال في محاسبة المسؤولين عن الانفجار. وأضافت “بعد 15 عاما ومحكمة خاصة للبنان مع محققين دوليين وينتهي الأمر بذلك؟ كيف يمكن لأي شخص أن يتم محاسبته على انفجار الميناء؟”.
تحقيق الأمم المتحدة
وبالنسبة لمنتقدي المحكمة، فإنهم يرون أن الحكم يتعارض مع ما كان قد توصل إليه التحقيق الذي قادته الأمم المتحدة عقب وقوع الاغتيال مباشرة. فمحاكمة عدد قليل من أعضاء حزب الله من المستوى المنخفض هي بعيدة كل البعد عن النتائج التي توصل إليها محققو الأمم المتحدة، الذين تم إرسالهم إلى بيروت بعد الاغتيال بوقت قصير. وفي تقرير، وصف هؤلاء المحققون الجريمة بأنها مؤامرة مهنية معقدة تتطلب “دعمًا لوجستيًا كبيرًا” وتمويلًا كبيرًا و”دقة عسكرية في تنفيذها”. وأنهى ديتليف ميليس، المدعي الألماني الذي قاد تحقيقاً ثانياً، تحقيقاً استمر ستة أشهر عام 2005 بقائمة تضم ما يقرب من 20 مشتبهاً، من بينهم عدد من كبار المسؤولين اللبنانيين وكبار المسؤولين السوريين.
وقال دبلوماسيون في ذلك الوقت إن ميليس أنهى مهمته على مضض، لأنه تم تحذيره من مؤامرة اغتيال ضده. وقد قُتل ما لا يقل عن ضابطي شرطة لبنانيين ساعدا في تحقيقات المحكمة. وبنى المدعون قضيتهم إلى حد كبير على أدلة ظرفية، معظمها سجلات مكثفة للهواتف الخلوية التي استخدمت كعملاء يتعقبون سرًا تحركات الحريري لأسابيع.
وكان من المقرر أصلا النطق بالحكم في السابع من أغسطس، لكن تم تأجيله بعد انفجار مرفأ بيروت.
وقد أثيرت أسئلة حول تكلفة موظفي المحكمة البالغ عددهم 400 موظف، بما في ذلك قائمة المدعين العامين و11 قاضياً متفرغًا ممن شاركوا في القضية. ودفع لبنان نصف ميزانية المحكمة السنوية البالغة 60 مليون دولار بمساعدة السعودية والنصف الآخر من تبرعات الدول الغربية ودول الخليج العربي. وبالنسبة للعديد من النقاد، فإن هذه التكلفة الهائلة لم تبرر رمزية محاكمة الغائبين.