كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
تترقّب الأوساط اللبنانية كيف سيتم التعاطي مع مرحلة ما بعد صدور الحكم في قضية إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه خصوصاً ان “حزب الله” يرفض حتى الساعة تسليم المتهم الرئيسي سليم عياش.
لم يشفِ حكم المحكمة الدولية غليل جمهور 14 آذار والشعب الذي ينتظر تحقيق العدالة ولو لمرّة واحدة، والمسألة هنا لا تتعلّق بجريمة اغتيال الحريري فقط بل بسلسلة من الإغتيالات السياسية والإقترافات الجرمية بحقّ الناس حتى لو لم يكن هذا الفعل يدخل تحت خانة القتل المتعمّد.
وكان الرئيس سعد الحريري واضحاً في كلامه بعد صدور الحكم، وهو وعلى رغم أنه لا يريد للفتنة أن تطل برأسها مجدداً، إلا أنه يرفض عدم تسليم “حزب الله” المتهم عيّاش، وما ينطبق على الحريري ينطبق أيضاً على قيادات 14 آذار سابقاً.
من بيت الوسط إلى معراب وصولاً إلى المختارة والصيفي، تترقّب قوى المعارضة كيف سيكون الموقف، لكن هذه القوى، إضافةً إلى الشخصيات المستقلّة، تنتظر ما هي الخطوات التي سيُقدم عليها الحريري لأنه وليّ الدم على رغم أنّ هذه الجريمة هي وطنية بامتياز وتطال كل لبناني، مثلما ضربت عائلة الحريري ولا يمكن المرور عليها مرور الكرام.
وإذ تتفق هذه القوى على أن إدانة عياش تعني إتهام “حزب الله” والنظام السوري وإيران، لكنها تعتبر أنّها تحترم ما يقرّره الرئيس الحريري لناحية الدخول في مواجهة سياسية أو عدمه، خصوصاً وأن المزايدة في هذا الملف على الحريري ليست في مكانها، في حين أن كل الإحتمالات واردة سياسياً بغض النظر عن حكم المحكمة الدولية.
ويعيش لبنان مرحلة إنتظار ثقيل، لكنه في المقابل ينتظر ما سيحمله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من طروحات خلال زيارته المرتقبة في 1 أيلول وسط غياب أي رؤية موحّدة للمعارضة وقادة 14 آذار عن كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة التي طبعها إنفجار 4 آب الذي دمّر المرفأ وأحياء من العاصمة بيروت.
وعلى رغم إجماع المعارضة و14 آذار على أن “حزب الله” يشكّل بسلاحه الخطر الأكبر على لبنان، وأن العهد يغطّي هذا السلاح ويدفع لبنان إلى مزيد من العزلة، لا يزال الإختلاف في وجهات النظر قائماً بين الجميع على كيفية التعامل مع المعطيات الجديدة، فالرئيس الحريري لا يريد أن يُدخل البلاد في فتنة، ولذلك يحاذر الدخول في مشكل مع “حزب الله” ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، في حين أن رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط يريد الإحتفاظ بعلاقة ممتازة مع بري، ولذلك لا تستطيع “القوات اللبنانية” الدخول وحدها في مواجهة مع الجميع، وهذا ما ظهر جلياً خلال تمسّك الدكتور سمير جعجع باستقالة جماعية من مجلس النواب يكون ضمنها “المستقبل” و”الإشتراكي” ولا تقتصر على نواب “القوات”.
وأمام كل هذه الوقائع، لا يبدو أن هناك جبهة معارضة موحّدة بين “القوات” و”المستقبل” و”الإشتراكي” وبقية مكونات المعارضة لأن الاختلاف في وجهات النظر كبير جداً ولا يجمع هذه القوى إلا الخلاف مع “حزب الله” والعهد، لكن هذا الخلاف الكبير لا يمكن أن يتحوّل حالياً إلى قوّة دفع أو سبب مهم لولادة مثل هكذا معارضة.
سلّمت قوى 14 آذار بحكم المحكمة الدولية لكنها لا تريد أن يبقى البلد مسلّماً إلى “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ”، لكن كل فريق يريد ان يخوض المواجهة ضمن رؤيته الخاصة. وفي المقابل لا يمكن إغفال عامل أساسي وهو دخول قوى شعبية في صلب الحياة السياسية، إذ لم يعد بالإمكان تخطّي صوت الشارع غير المنظّم والذي كان في قسم منه جزءاً من حركة 14 آذار من دون أن تستطيع القوى التي استلمت الأمانة تحقيق أمانيه وأحلامه ببلد حرّ سيّد مستقلّ خالٍ من سلاح الميليشيات.