كتبت مايا الخوري في “نداء الوطن”:
تكريماً لضحايا “إنفجار المرفأ” وتخليداً لذكرى الشهداء الذين سقطوا نتيجة إهمال وتقاعس المسؤولين، بدأ المخرج فادي حدّاد إعداد فيلم وثائقي يتناول لحظات ما قبل الكارثة.
تحت إدارة المخرج بدأت مجموعة من الكتّاب توثيق المعلومات، فيما يُشرف هو على جمع الفيديوات تمهيداً لتنفيذ المشروع. فما تفاصيل “عنبر 12″؟
شاءت العناية الإلهية أن تنقذ فريق عمل المخرج فادي حدّاد الذي كان يهمّ في الإنتقال من منطقة الدورة، حيث يصوّر أغنية الفنانة الجزائرية “كاميليا الورد” إلى الأشرفية في مقابل المرفأ لإستكمال التصوير، فوقع الإنفجار ومعه إنهار السقف على رؤوس الحاضرين، لتقتصر الأضرار على الماديات. وكذلك منزله في الأشرفية، لم يسلم من الدمار، فيتحدث بحرقة عمّا حصل “صحيح أن منزلي دُمّر إنما أحمد الله أن أحداً من عائلتي لم يصب بأذى. إثر الإنفجار توجّهت إلى هناك لتفقّد الأضرار، لكن أمام مشهد الضحايا والجرحى، لم أعد أهتمّ بدمار الحجر “بالرزق لا بأصحابه”.
بعد رفع الأنقاض والزجاج في منزله، توقّف حدّاد أمام الغموض الذي يلف “عنبر 12” والحديث الجاري حول محتوياته، خصوصاً أنه محا بيروت ومحيطها، لذا أراد الإنطلاق بمشروع فيلم وثائقي تحت عنوان “عنبر 12”.
ما الهدف من هذا المشروع؟ يقول: “تكريم أرواح الشهداء عبر فيلم يعود ريعه لدعم عائلاتهم. أريد من خلاله مساندة الضحايا خصوصاً أن السلطات تعمد إلى طمس الموضوع. فمن خلال هذا المشروع نُبقي القضية متداولة، لذا أطلب من اللبنانيين الذين يملكون تسجيلاً مصوّراً عن تلك اللحظة تسليمنا إيّاه لتنفيذ فيلمٍ واقعيٍ سيكون عالمياً، وذلك لأن “إنفجار المرفأ” شبيه بقنبلة “هيروشيما”.
من سيتوّلى كتابة الفيلم؟ يجيب: “يجمع كتّاب عدّة المعلومات التي تخدم عائلات الشهداء وتُبقي ذكراهم أبدياً. لن تمرّ قصّتهم مرور الكرام كما كل الأحداث الأليمة المماثلة في وطننا. أريد توثيق كل شيء بعدستي، لذا لن أقف عند حدود هذا الفيلم، بل وسأقدّم سلسلة حلقات تلفزيونية إن اقتضى الأمر لئلا تُدفن هذه القضية”. لافتاً إلى أنهم بدأوا جمع مقاطع مصوّرة للحدث فضلاً عن تحرّي الكتّاب عن حياة الضحايا اليومية، مهنتهم، علاقاتهم العائلية والإجتماعية ولحظات ما قبل وقوع الإنفجار.
وعمّا إذا كان يتعرّض لمضايقات ما بسبب طرح هذا المشروع، يؤكد تلقيه إتصالات عدّة للإستفسار، وللإعتراض على توثيقه الحدث قبل انتهاء التحقيق.
من جهة أخرى، يوضح حدّاد أنهم إختاروا الشهداء الذين أثّروا كثيراً في نفوس اللبنانيين لتجسيد شخصياتهم في الفيلم، مثل شهداء فوج إطفاء بيروت وغيرهم. مشيراً إلى أنهم سيصوّرون تفاصيل يومياتهم، ومن ثم اللحظة الأخيرة قبل وقوع الإنفجار، والخسارة التي ألمّت بعائلاتهم وببيروت. فيقول: “لقد احرقوا بيروت. سواء إنتهى التحقيق أم لا نحن لن نتوقف”.
مشروع “عنبر 12” قد يستغرق أشهراً أو أكثر، وفق حدّاد، حتى تحقيق ملخّص هو الأقرب إلى الحقيقة. ويضيف: “بفضل لبنانيين تجاوبوا مع ندائنا، حصلنا على عدد كبير من المقاطع المصوّرة التي توثّق فظاعة المشاهد. إنه مشروع كبير جداً، يساعدنا فيه كتّاب كثيرون، وهو لا يبغي أي ربح مادي إنما سنحرص على تسويقه عالمياً بهدف دعم عائلات الضحايا”.
وعمّا إذا كانوا قد تواصلوا مع أهالي الشهداء للموافقة المسبقة على المشروع، يكشف أنهم وضعوا الهيكلية الأولى في انتظار أن تهدأ الأمور قليلاً وترتاح العائلات ليتواصلوا معها. ويضيف: “أنا حزين جداً ممّا حصل لذا قررت مواجهة الواقع من خلال عدسة الكاميرا، ففي النهاية نحن ننفذّ مشروعاً من أجل الناس ولهم”.
من سيتوّلى أداء الشخصيات؟ يجيب: “سيخضع ممثلون محترفون لكاستينغ”.
من جهة أخرى، يعبّر حدّاد عن غضبه مما آلت إليه الأمور في لبنان منذ ثورة تشرين وحتى “إنفجار بيروت” فيقول: “لقد خربوا بيوتنا! تتجه الدولة إلى الحضيض، سرقت المصارف أموال الشعب اللبناني، “كورونا” زادت الطين بلّة، ومن ثم كان “إنفجار المرفأ” الضربة القاضية. إذا أردنا الهجرة، لا نستطيع لأن أموالنا محجوزة، وإذا حوّلوها إلى عملة أخرى فقدت قيمتها، 640 مؤسسة لبنانية أقفلت أبوابها. هناك بطالة، تشرّد، كيف سنقف مجدداً؟ أرى أننا بدأنا فعلياً رحلة العذاب في الوطن. لقد خربت السلطة منزلنا، أوصلتنا إلى الحضيض حيث يعيش اللبناني أسوأ مرحلة منذ تكوين لبنان. سُرقنا، ذُبحنا، دُمّرت منازلنا ومستشفياتنا، وقد يجرّوننا إلى الحرب الأهلية. الله لا يوفّقهم! وضعوا مصلحتهم الشخصية أولوية على حسابنا. لقد جعلوا المواطنين المثقفين والمتعلّمين يشحذون لقمة العيش ويقفون في الصف لأخذ إعاشة. ليس هناك أوسخ من منظومة مماثلة أفقرت شعبها وخسّرته جنى عمره. نعيش في أوسخ سجن كبير، حيث نُقتل على البطيء. نصلّي إلى الله كي يخلّصنا من هذه المنظومة الفاسدة. لا يستأهل الشعب اللبناني هذا الواقع، فهو مثقّف ومتعلّم، يربّي أبناءه بدموع العين. نتمنى أن ينتفض الشعب كلّه لنضع المسؤولين كلّهم في مزبلة التاريخ. عدنا بسببهم 30 عاماً إلى الوراء فيما العالم يتطوّر. لم يعد لدينا ما نخسره بعدما سرقوا تعبنا وبيوتنا وأعادونا إلى الصفر!
ويختم: “سأحارب من أجل هذا المشروع ليبصر النور، أريد توثيق فسادهم للتاريخ. لم يعد لدينا ما نخسره!