Site icon IMLebanon

هل تنفع الضغوط الفرنسية في تذليل العقبات أمام “حكومة المهمة”؟

تترقب الاوساط السياسية والدبلوماسية حصيلة المشاورات الجارية على اكثر من مستوى داخلي واقليمي ودولي، وتشابك حركتها. فالمبادرة الفرنسية التي طرحتها باريس قادت الى شبكة من الإتصالات الخارجية من اجل تبادل الدعم بعدما توحدت الجهود الاميركية والفرنسية ومعها بعض الاصدقاء المحليين والدبلوماسيين المعتمدين في بيروت وهو ما انشأ ورشة متكاملة تراقب التقدم الذي يحققه اي طرف لتثميره في مكان آخر.

وكشفت مصادر دبلوماسية تتابع هذه الورشة عن قرب لـ”المركزية”، عن ان السفير الفرنسي في بيروت يتابع حصيلة اللقاءات التي يجريها كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ليتبلغ سريعا بحصيلتها. هذا عدا عن تلك التي يقوم بها وسيط اعتاد حمل هذه الملفات والعمل خلف الكواليس لتفكيك بعض العقد التي تحول دون توفير الرؤية المطلوبة تحت عنوان “حكومة المهمة” باعتبارها المفتاح الرئيس الذي يفتح الطريق على اولى الخطوات الدستورية في اعقاب قبول استقالة “حكومة الإستحقاقات” تمهيدا لتسمية الرئيس المكلف بـ”المهمة” التي تكون قد صارت واضحة المعالم.

ولمزيد من التفاصيل، قالت مصادر لبنانية واسعة الاطلاع لـ”المركزية”، ان ما اوصت به الورقة الفرنسية واضح وقد حددت العناوين الاساسية التي على الحكومة مقاربتها، ولان التفاهم على تطبيقها وفق جدول زمني يسهل الطريق الى مرحلة الاستشارات. لا بل هي تختصر لاحقا الطريق الى عملية التشكيل بعد التكليف، لمجرد توافر القوى الداعمة للتوجه الجديد في ظل الدعم الدولي المنتظر نتيجة اعطاء لبنان اولى اشارات التغيير المطلوبة على مختلف المستويات الدولية.

على هذه الخلفيات، رفضت المصادر ان تصف اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ومشاركة كل من الحاج حسن خليل والنائب علي حسن خليل بالسلبي. وقالت ان الاجواء التي تسربت ليست كافية لتحديد نتيجة اللقاء. ولفتت الى ان كثافة الملفات المفتوحة على طاولة البحث تحتاج الى تفاهم عميق ومزيد من الجهود. فليس من السهل توفير التفاهم على الخطوات المقبلة التي على الحكومة القيام بها كونها متعددة ومتشابكة ولا يكفي ان يتفاهم حولها الثنائي الشيعي وباسيل دون رصد مواقف باقي الأطراف المؤثرة في المرحلة المقبلة وهي متعددة الآراء والمشارب وليس من السهل تأمين تجاوبها مع ما يريده المجتمعون.

وأضافت، ان التفاهم على بعض البنود لم يكن كاملا، فالخلاف حول آلية تطبيقها ما زال يتفاعل. والتحقيق الجنائي الذي أقر في الحكومة السابقة ما زال قائما ولا يحتاج الأمر إلا الى توقيع وزير المال  العقد مع الشركة الفائزة بالمهمة، لكن يحول دون ذلك تحديد المؤسسات، تزامنا مع المهمة المقترحة في مصرف لبنان وهو ما يطالب به فريق من اللبنانيين ليكون الاصلاح المنشود من خلال عملية التدقيق الجنائي شاملا لمؤسسات عدة. فالمجتمع الدولي يعرف بوجود مؤسسات تخالف القوانين وتعمل على طريقة “إدارة الشركة الخاصة” ولا بد من ان يطالها التحقيق لوضع حد للمخالفات المرتكبة ومحاسبة مرتكبيها.

والى هذه المهمة، ومعها توحيد ارقام الخسائر في القطاع المصرفي ظهر ان قانون “الكابتيال كونترول” مطلوب ايضا وبإلحاح دولي، قبل انجاز مهمة التدقيق الجنائي وهو المفتاح الى تحديد خريطة الطريق التي يسعى صندوق النقد الدولي الى رسمها للحكومة اللبنانية ليؤمن لها ما تحتاجه من الارصدة للاقلاع بالحركة الإقتصادية والمالية بصورة فورية. وهو امر سيفتح الطريق تلقائيا على الآلية التي يعرفها المعنيون لاستدراج الدعم الدولي والاستثمارات الجديدة المنعشة للحركة في مواجهة النقص الحاد بالعملات الصعبة في  مصرف لبنان والقطاع المصرفي وقد شارفت على نهايتها. فقد كانت الاشارة واضحة من جانب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى حدود القدرة على التصرف بما هو مطلوب لتوفير الدعم للمواد الاستهلاكية من السلة الغذائية والمحروقات الى الطحين والادوية قبل الوصول الى مرحلة تحرير اسعار الدولار كما يطالب صندوق النقد ليدار بما يتناسب وحجم الاسواق المصرفية والمالية الحرة.

وفي هذه الظروف، لا يبدو ان التفاهم من اليوم ممكنا حول الخطوات الادارية الواجب اتخاذها. فالتركيبة السلطوية لم تنجح منذ بداية العهد بتحالفاتها الثابتة والمتحركة  في توحيد الرؤية في كيفية التعاطي مع ازمة الطاقة وتشكيل الهيئة الناظمة والاقلاع بالخطة المؤقتة التي ترفع التغذية الى نسبة مقبولة تسمح بالبت برفع اسعار الطاقة لتوفير التوازن المطلوب بين الكلفة الحقيقة والمداخيل عدا عن تنظيم العمالة في المؤسسة وتأمين الجباية بنسبة عالية للاستغناء عن الدعم المطلوب من الخزينة العامة ووقف سياسة “السلف المالية” التي ارهقت الخزينة ورفعت حجم الدين العام الى ما يقارب الـ 99 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري.

من هذه المنطلقات بالذات يراهن العارفون على حصيلة المشاورات المكثفة للسفير الفرنسي الذي واصل اتصالاته مع القيادات السياسية والحزبية باشراف مباشر من خلية الأزمة المشكلة بين قصري الكي دورسيه والاليزيه والتي يديرها الرئيس ايمانويل ماكرون مباشرة من اجل تحديد موقفه من زيارته المقبلة الى بيروت وان كانت ستتم في مطلع  ايلول في الذكرى المئوية للاعلان عن “دولة لبنان الكبير”. وهي ورشة اتصالات ليست معزولة عن مسار الاتصالات التي اطلقها لقاء رئيسي الجمهورية ومجلس النواب مطلع الاسبوع الجاري ومعهما وسطاء من اجل التوصل الى معالجة ما هو مطلوب في الورقة الفرنسية.

وعليه، فان الحديث من اليوم عن مواعيد للاستشارات النيابية الملزمة ليس ثابتا بل مجرد تكهنات. وان تعددت الروايات من حولها فلا بد ان يأتي ذلك اليوم، ولكن متى؟ وان ربطه بموعد يستبق زيارة الرئيس الفرنسي قد يكون صعبا. فسلسلة الشروط المتبادلة بين الرئيس سعد الحريري والمعارضين لامكان تسميته ما زالت قائمة وليس هناك من وسيط قادر على الحل وخصوصا ان تم ترؤسه لحكومة مطلوب منها تسليم مرتكب جريمة والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بالإضافة الى طلبه دعما خليجيا واوروبيا واميركيا واضحا وهو غير مضمون في الوقت الراهن.

وتقول المصادر ان بالتوازي مع ورشة الاصلاحات الادارية والمالية الصعبة المطلوبة، على أركان السلطة الا ينسوا ان هناك ورشة اعمار كبيرة تتفوق في حجمها على ما قام من ورش شبيهة حتى اليوم. وهي لن تكون حافزا للاصلاح بقدر ما ستكون مجالا للتنافس على النيل من حصة الاسد من كلفتها، وكيفية توفير الدعم المطلوب بما يفوق مخزون مصرف لبنان من العملات الصعبة ان استقر تقدير الاضرار كاملة ما فوق الـ 35 مليار دولار وهو رقم يفوق المتوفر في احتياطي مصرف لبنان والقطاع المصرفي بمرتين على الاقل.