كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”:
مع ارتفاع منسوب القلق حيال توقّف مصرف لبنان عمّا قريب عن دعم كل السلع، بما فيها المحروقات والادوية والقمح، يحذّر القيّمون على القطاعات الصحية والمحروقات من نتائج كارثية أكبر من قدرة الناس على تحمّلها.
بعدما كشفت «الجمهورية» للمرّة الاولى عن عزم مصرف لبنان وقف دعم استيراد المواد الاساسية، أي المحروقات والقمح والادوية، على سعر الصرف الرسمي عند 1507 ليرات، نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر رسمي في البنك المركزي يوم الخميس انّ مصرف لبنان لن يدعم الوقود والقمح والدواء لأكثر من 3 أشهر أخرى في ظل تناقص احتياطات العملات الأجنبية.
ورغم انّ هذا الاعلان يحتاج الى تشاور مسبق مع كافة القطاعات والمؤسسات والوزارات المعنيّة به، إلّا انّ المسؤولين لم يعمدوا لغاية اليوم، رغم يقينهم المسبق انّ الدعم من قبل مصرف لبنان لا يمكن ان يستمرّ الى الابد، الى وضع استراتيجية او آلية بديلة لوقف الدعم على مراحل وبشكل تدريجي منظّم لا يؤثر بشكل مباشر وبنسبة كبيرة على الأمن الصحي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد.
خطر على الأمن الصحي
في هذا الاطار، أكد نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة انّ رفع الدعم عن استيراد الدواء هو عملية انتحارية ستكون مفاعيلها على المواطن اللبناني مشابهة لكارثة انفجار مرفأ بيروت، في حين ستكون تداعياتها كارثية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، حيث سترتفع اسعار الادوية بين ليلة وضحاها، 5 الى 6 أضعاف.
وقال لـ«الجمهورية» ان لا قدرة اليوم للمواطن اللبناني، بعد الكوارث التي مرّ بها وما زال يتعامل مع تداعياتها، على تحمّل ارتفاع اسعار المواد الاساسية أي القمح والمحروقات والدواء. بالاضافة الى زيادة أسعار مختلف السلع الغذائية والاستهلاكية الاخرى التي تشكّل المحروقات جزءاً من كلفة إنتاجها.
وسأل جبارة: ماذا سيحلّ بالجهات الضامنة في حال تم رفع الدعم عن الدواء؟ كيف ستتحمّل ارتفاع اسعار الدواء كافة الصناديق الضامنة التي تخصّص لها موازنات بالليرة اللبنانية، كالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تعاونية موظفي الدولة، الطبابة العسكرية في الجيش إضافة الى مصلحتي الصحة في قوى الأمن الداخلي؟
ولفت الى انّ ايرادات صندوق الضمان الاجتماعي، على سبيل المثال، تعتمد بشكل أساسي على الاشتراكات الناتجة عن رواتب واجور الموظفين والتي لم يتم تعديلها بل تراجع جزء كبير منها بعد تسريح عدد كبير من الموظفين. «وبالتالي كيف سيغطّي الضمان قيمة الادوية بعد ارتفاع اسعارها 6 أضعاف؟».
وأضاف: سيكون مصير الصناديق الضامنة إمّا الافلاس أو تغطية 20 في المئة من المرضى.
وأكد جبارة انه لم يتم التواصل مع مستوردي الادوية بشكل رسمي لغاية الآن حول موضوع رفع الدعم، «علماً اننا على دراية بأنّ الدعم لا يمكن ان يدوم ويطول، ورغم اننا نرى انّ الامن الطبي والصحي خط احمر اليوم في ظلّ المعاناة الاقتصادية التي يعانيها المواطن، إلّا انه كان من المفترض وضع آلية لرفع الدعم على مراحل ضمن خطة منظمة، وليس بشكل عشوائي يؤدي الى رفع سعر الدواء من 10 آلاف ليرة الى 100 ألف!».
وطالبَ بتنظيم عملية رفع الدعم من خلال تحديد تاريخ معيّن يتم على أساسه احتساب كافة المستوردات التي دخلت قبل هذا التاريخ على سعر الصرف الرسمي، منعاً لإفلاس الشركات المستوردة التي سبق وان قامت ببيع تلك المستوردات على سعر الصرف الرسمي. بالاضافة الى تنظيم وفرض رقابة على اسعار الادوية المستوردة سابقاً، والتي اصبحت في الاسواق.
وبالنسبة الى احتمال فقدان أنواع من الادوية وانقطاعها من السوق بعد رفع الدعم، أوضَح جبارة انّ هذا الامر يتوقف على موازنات الجهات الضامنة التي تسدّد حوالى 65 في المئة من فاتورة الدواء. وبالتالي، في حال تمّ رفع ميزانياتها لتعويض ارتفاع الفارق في اسعار الدواء، قد تتمكن الجهات الضامنة من الاستمرار في تغطية كلفة الدواء. إلّا انّ الفارق في الاسعار قد يكون اكبر من إمكانياتها في بعض الحالات المرضية، مما سيؤدّي الى انقطاع تلك الادوية.
النقل المشترك
من جهته، اكد الرئيس السابق لتجمّع الشركات المستوردة للنفط في لبنان مارون شماس لـ«الجمهورية» انّ تجمّع الشركات المستوردة للنفط سبق له أن أعرَب، خلال اجتماعات عدّة مع الحكومة، عن مخاوفه من إمكانية عدم تمكّن مصرف لبنان من الاستمرار في دعم استيراد المحروقات على سعر الصرف الرسمي، وسأل وزير المالية عن الخطط المستقبلية والرؤية الاقتصادية في ما يتعلّق بدعم استيراد المحروقات، والسيناريوهات المتوقعة للحلول، في حال توقف دعم مصرف لبنان.
وأشار الى انّ وقف الدعم امر متوقّع لأنّ مصرف لبنان يتحمّل كلفة تبلغ حوالى 10 ملايين دولار بشكل يوميّ لدعم استيراد المحروقات، «وكان من المفترض عند البدء بقرار الدعم في تشرين الاول الماضي ان يتم وضع خطة محددة ضمن فترة زمنية معيّنة للتمكن لاحقاً من رفع الدعم، إلا انه بعد حوالى العام، لم تباشر الحكومة بأيّ إجراءات بديلة تخفف من وطأة رفع الدعم وقوّة الصدمة على المواطن الذي سيدفع حوالى 6 أضعاف سعر صفيحة البنزين بعد رفع الدعم عنها».
وقال شماس انّ مستوردي المحروقات اقترحوا في السابق وقف الدعم بشكل تدريجي يؤمّن «الهبوط السهل» (soft landing) بعد رفعه، إلا انّ القرار كان سياسياً ولم يتم الشروع في أي خطط لتفعيل النقل المشترك من اجل خفض استهلاك البنزين، وترشيد استهلاك المازوت، وتفعيل الطاقات الشمسية… «لكن للأسف لا نملك عصا سحرية، ولا يمكننا اليوم تنفيذ تلك المشاريع التي تتطلب الوقت».
إنهيار إضافي لليرة!
في موازاة ذلك، وفيما اشار جبارة الى انّ إجمالي حجم استيراد الادوية يبلغ مليار دولار سنوياً، قال انّ مستوردي السلع الاساسية، بعد وقف الدعم من قبل مصرف لبنان، سيلجأون الى السوق السوداء لتأمين دولارات الاستيراد، مما سيرفع الطلب على الدولار بشكل كبير ويؤدي الى ارتفاع سعر صرفه مقابل الليرة بـ 3 أضعاف او اكثر من السعر الحالي.
كذلك أكد شماس انه يتم استيراد حوالى 2 مليون طن بنزين و2 طن مازوت سنوياً، وبالتالي سيلجأ المستوردون بعد رفع الدعم الى السوق السوداء لتأمين دولارات استيراد تلك الكمية، مما سيؤدي بطبيعة الحال الى زيادة الطلب على الدولار وارتفاع سعر صرفه الى مستويات لا يمكن تقديرها.