علّق النائب فريد البستاني على مقالة نشرت في صحيفة “الاخبار”، حول دعوة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الى حياد لبنان، قائلاً: “طالعتنا صحيفة الأخبار الموقرة، التي نعتبرها من المنابر الحصيفة والحريصة على حماية الوحدة الوطنية بين اللبنانيين، والتي تلتزم كما نعتقد مشروعا مدنيا للدولة والمجتمع، بما رأيته كمؤمن بمشروع دولة مدنية تنقذنا من العصبيات الطائفية والفساد وتوزع الولاءات الداخلية نحو خارج ليستعملنا ويتلاعب بنا، أنه أخطر تعبئة للمشاعر الطائفية وتصعيد للتوترات الطائفية، وتحفيز لعصبياتها، تحت عنوان نقد يفترض أنه سياسي عقلاني لخطاب البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، بما جعلني كمؤمن مسيحي وداعية للدولة المدنية في وقت واحد، يؤمن بتكامل الصفتين لا بتعارضهما المزعوم، أشعر بأنني مسؤول عن الرد وعن مطالبة الصحيفة التي أحترم، بالانتباه إلى خطورة ما نشرته ومراجعة قواعدها المعتمدة في التعامل مع الكتاب والمقالات، التي تقع على خطوط إثارة النعرات وتحفيز العصبيات ولو لبست لبوسا مدنيا، وادعت الترفع عن الطائفية، بينما هي في الواقع أشد خطورة من الطائفيات الظاهرة في استنفار مثيلاتها”.
وتابع: “ما كتبه الكاتب أسعد أبو خليل في الأخبار تحت عنوان البطريرك الماروني يجاهر: مشروع الحياد الإسرائيلي، ولم يتورع خلاله من اتهام الكنيسة المارونية عبر سنوات طوال بالعمالة والتآمر على لبنان وتخديم سياسات استعمارية وإسرائيلية، من بوابة مزاعم مناقشة دعوة البطريرك الراعي للحياد، ليست له إلا وظيفة واحدة هي شيطنة المسيحيين اللبنانيين، وليس البطريرك وحده، واستنهاض عصبيتهم كطائفة تدافع عن رموزها، بوجه هجمات طائفية أخرى تذكرهم بخطاب اليسار والمنظمات الفلسطينية في السبعينيات عشية الحرب الأهلية وخلالها، وما أخفته من رهان على غلبة طائفية بقوة السلاح الفلسطيني، تحت عنوان شيطنة المسيحيين وليس فقط بعض قياداتهم وأحزابهم، والكاتب لم يستطع تجنب كشف عميق الصلة بين كلامه وانتمائه ليوميات تلك المرحلة”.
وقال: “كان من الممكن والمقبول مناقشة دعوات الحياد التي تقودها بكركي من موقع المقارنة مع مواقف كنسية أخرى مثل البطريرك بولس المعوشي الذي كشف كاتب آخر في صحيفة الأخبار هو الإعلامي نقولا ناصيف عن مواقفه الموثقة خلال أزمات حلف بغداد والتدخل الأميركي في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون، والتي قدم لها أبو خليل رواية مزورة، بينما كانت مواقف البطريرك المعوشي وفق ما وثقه نقولا ناصيف، قد وصلت حد إعلان بكركي يومها التبرؤ من دعوات التدخل الغربي التي أطلقها الرئيس شمعون، وانتقد شكوى الرئيس شمعون للجامعة العربية لما أسماه تدخلات الرئيس جمال عبد الناصر، محذرا الدول الغربية من التدخل، معتبرا أن هناك أزمة داخلية بين الرئيس والشعب، فكيف تكون بكركي التي قدم أبو خليل نفسه في مقالته كخبير في شؤونها، امتدادا لمشاريع الغرب، وكيف تكون بكركي طرفا في ما وصفه الخبيرأبو خليل في معاهدة سرية مع إسرائيل، يفترض أن مفاعيلها في الخمسينيات كانت أقوى بكثير من اليوم؟”.
أضاف: “تاريخ بكركي هو جزء حيوي من تاريخ لبنان، وهو جزء أشد حيوية من تاريخ المسيحيين، وليس فوق النقد ولا من محرمات النقاش، لكن الشيطنة والتخوين، آفتان خطيرتان، تشكلان تعبيرا عن مشاريع فتن لا محاولات نقاش، ومن موقع ما تمثل الأخبار في نظر المسيحيين كلسان حال للمقاومة التي يحمل لواءها فريق لبناني له هوية طائفية تشكل موضوعا سجاليا بين المسيحيين، جاء إستعمالها لنشر ما يراد منه شيطنة هذه الفئة من اللبنانيين الذين تمثلهم المقاومة بعيون المسيحيين، وإستفزازهم للعداء معها، والرد دفاعا عن كنيستهم وبطريركهم، خصوصا عندما يصل التهجم حد الاتهام بالعمالة، ويمتد على مساحة من الزمن تريد طبع الكنيسة وتاريخها بهذا العنوان، وفي ذلك مجافاة للحقيقة والتاريخ. لبنان الكبير ليس صنيعة استعمارية ولو ولد على أيدي الفرنسيين الذين كانوا مستعمرين، وكان لحكمة بطاركة بكركي في رفضهم مشاريع الوحدة أثرها الإيجابي، من منطلق إدراكهم الاستباقي لحقيقة أن ما تحتاجه مجتمعاتنا هو النضوج لمشروع الوحدة الوطنية قبل أن تبحث بمشاريع الوحدات الأوسع مدى قوميا، وهذا يشبه ما نحن في صدده في وجه دعوات مغرية نظريا لإلغاء الطائفية لكن بهدف هو تمهيد الطريق أمام غلبة طائفية، حيث يوجبنا ذلك بالتروي في مقاربة الملف الوجودي المسيحي في زمن الصحوات الطائفية ومشاريع التطرف في بعض البيئات الإسلامية بالتوازي مع مقاربة مشروع الذهاب نحو الدولة المدنية”.
وسأل: ألم يؤد فشل الوحدة بين مصر وسوريا إلى تعزيز نزعات الانطواء والانعزال، كردة فعل على تجربة الوحدة التي أصابت العلاقات بين الشعبين بمشاعر تشبه تلك التي نجمت عن الدور السوري في لبنان وتأثيره على العلاقات بين الشعبين، وألم يكن التمسك بضم لبنان إلى سوريا بدلا من مشروع لبنان الكبير مدخلا لدفع المسيحيين نحو دولة مسيحية، تحاكي مشروع وطن قومي يهودي، كان هو المشروع الاستعماري الحقيقي، وكانت محفزاته الضمنية في الإستفزاز الذي مثلته يومها دعوات الوحدة، وتمكنت حكمة بطاركة الكنيسة من إجهاضها برعايتها لولادة لبنان الكبير، بمثل ما تحفز المقالة اللاطائفية العصبيات الطائفية وتؤدي المطلوب لشيطنة طائفة بوطنيتها هي المسيحيين، وشيطنة طائفة أخرى بعيون المسيحيين بتحميلها مسؤولية الاتهامات الظالمة لرموزها؟”.
وختم البستاني: “يمكن بسهولة تشويه التاريخ بعرض وقائع مجتزأة بطريقة حماسية تنطلق من خلفية حاقدة، وبلغة تحاكي عصبيات طائفية وتستثير عصبيات مقابلة، لكن ذلك لن يصمد أمام أول محاكمة بالعقل والوقائع الصحيحة والمدققة، فتعالوا لنقاش هادئ وعقلاني لدعوة البطريرك الراعي، واتفقوا واختلفوا وحاوروا، وهو أول من دعا للحوار العاقل والهادئ لمشروعه، مشددا على أن الحياد يجب ألا يطال قضايانا المحقة في الصراع مع إسرائيل، وعندما يكون النقاش نزيها لتنتصر الفكرة الأشد نزاهة ووطنية وعقلانية، وشرط النزاهة هو الترفع عن تغليف الطائفيات والعصبيات بلبوس مدني لا طائفي، وتغليف الحقد الأعمى بخطاب العقل المتبصر”.