كتب عمر حبنجر في صحيفة الأنباء:
تشكيل الحكومة اللبنانية يراوح مكانه، المنظومة السياسية الحاكمة متمسكة بتكريس بدعة «التأليف» قبل التكليف، وهو ما يهمش دور رئيس مجلس الوزراء ويعيده الى مستوى «الوزير الأول»، بما يعاكس القاعدة الدستورية التي توجب على رئيس الجمهورية تكليف من يسميه النواب لتأليف الحكومة، والرئيس المكلف هو من يؤلف.
هذه الفجوة الدستورية، بدأت تتسع سياسيا لتضع زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على حافة التأجيل، وسط الشك بأن يكون هنا وضمن دائرة السلطة اللبنانية القائمة من يعمل على ذلك قصدا، ان لم يكن من قبيل التشويش على المبادرة الفرنسية، فلتيئيس الرئيس ماكرون من امكانية اصلاح ما افسده دهر السياسيين في لبنان.
هذا التوجه تنبه اليه البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظة قداس الأحد امس، حيث اعرب عن خشيته من «إعادة لبنان الى عزلته وعرقلة زيارات قادة العالم اليه، مضيفا: ما يدمي القلب هو ان بعض مسؤولي الدولة يتعاطون مع كارثة المرفأ من زاوية سياسية برفضهم التحقيق الدولي، ودعا الى سحب المتفجرات والأسلحة من المستودعات والايدي، وتشكيل حكومة انقاذ، ينتظرها الشعب والعالم..وتساءل لماذا مقاومة الاصلاح؟ ولم حصر السلطة بمنظومة اثبتت فشلها؟.
بيد ان الرئيس نبيه بري «وسيط الجمهورية»، في ملف تشكيل الحكومة وكان ولا يزال على تواصل مع الرئيس الفرنسي، ضمن اطار مساعيه لإزالة الاسلاك الشائكة من طريق حكومة «المهمة المحددة»، وفتح الآفاق وقياس حجم العرقلات الخارجية المحتملة للمبادرة الفرنسية.
والراهن ان بري لا يرى غير سعد الحريري، اهلا للمقعد الوثير في السراي الكبير حتى الآن، ويواصل مساعيه في شتى الاتجاهات، وسيلتقي رئيس الحكومة السابق، ليبحث معه في عروض وشروط الفرقاء الآخرين، وهو كان التقى تكتل لبنان القوي، والنائب وائل ابو فاعور، من كتلة اللقاء الديموقراطي.
وتقول مصادر متابعة إن الحزب التقدمي الاشتراكي لم يبد حماسة لتكليف الحريري بتشكيل الحكومة، بينما نقلت قناة «الميادين» عن ابو فاعور قوله: موقفنا حاسم لن نسمي الحريري لرئاسة الحكومة.
حتى هذا الموقف الواضح للاشتراكي، فإن المصادر المتابعة واثقة من قدرة الرئيس بري على تليينه وإقناع النائب وليد جنبلاط بتغيير موقفه من الحريري لتبقى العقبة الكأداء عند الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل.
أما الحريري شخصيا فتؤكد المصادر أنه لن يطرح نفسه لإعادة تشكيل الحكومة، نافيا علاقته بالاستنتاجات التي تتحدث عن وجود من يسعى إلى تسويقه لهذا الموقع.
نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم قال إن حزب الله يريد حكومة فاعلة وقادرة على القيام بالإصلاحات وإعادة إعمار بيروت ومكافحة الفساد والتصحيح المالي.
واضاف: نحن نريد حكومة نساهم فيها وندعمها وتكون جامعة ما أمكن. ويلاحظ أن الشيخ قاسم تحدث عن المساهمة بالحكومة وليس المشاركة فيها، ما يعزز المعلومات عن عزم الحزب البقاء خارج المشهد الحكومي في هذه المرحلة.
من جهته، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وخلال إحياء الليلة الثالثة من ليالي عاشوراء، أشار إلى أن الولايات المتحدة تتدخل في شؤون العالم، ولا أحد يطالبها بعدم التدخل إلا قلة، لافتا إلى أن واشنطن تتدخل باختيار رئيس الحكومة وبقانون الانتخاب، ومن يجب أن يكون مديرا عاما، ولا أحد يدين ذلك.
وفي معلومات لـ «الأنباء» فإن باسيل يحاول الآن تسويق النائب ورجل الأعمال فؤاد مخزومي استنادا لمواصفاته، واهمها كونه نائبا عن بيروت، ويحمل الجنسية البريطانية، لكن بري وحليفه، مازالا مع الافضلية للحريري كونه الانسب لهذه المرحلة.
هذا التخبط والتفرد في موضوع اختيار رئيس جديد للحكومة، سيقابله رؤساء الحكومة السابقون بموقف سياسي حازم في الأيام القليلة المقبلة، كما علمت «الأنباء»، برفض بدعة تأليف الحكومة قبل تكليف رئيسها، ويطلق صرخة تحذيرية، دفاعا عن موقف رئاسة مجلس الوزراء، وعن المكون السياسي المحسوبة له وعليه.
وفي معلومات لـ «الأنباء» أيضا، فإن الاتصالات تجري لاجتماع رؤساء الحكومات في دار الفتوى، وبمشاركة مفتيي المحافظات وأعضاء المجلس الشرعي الاعلى، ليأتي الموقف بحجم الاستهتار الحاصل.