Site icon IMLebanon

لماذا لا يُنشر مضمون عقد التدقيق الجنائي؟

كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”:

يؤكّد الخبراء المعنيّون، انّ نتائج التدقيق الجنائي ستظهر وفقاً للمهام المولجة بها شركة Alvarez & Marsal ضمن العقد الموقّع بينها وبين وزارة المالية، مشدّدين على أنّ السرّية المصرفية لا تقف عائقاً امام عملية التدقيق، بل انّها قد تُستخدم كـ»حجّة» لإخفاء عمليات التحويل المالية التي تمّت الى الخارج لمصلحة كبار المودعين.

أبلغ وزير المالية في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني رئيس الجمهورية ميشال عون امس، انّه سيتمّ التوقيع خلال اليومين او الثلاثة المقبلة مع شركة «ألفاريس ومارسال» التي ستتولّى التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان. وقد سلّم وزني نسخة عن العقد لرئيس الجمهورية الذي طالب بالإسراع في توقيعه، لتتمكّن الشركة من بدء التدقيق في اسرع وقت ممكن، «نظراً لأهمية هذه الخطوة في المسار الاصلاحي ومكافحة الفساد، لاسيما وانّه مطلب خارجي، من قِبل صندوق النقد الدولي والدول المانحة كإجراء اولي للاصلاح».

وصرّح وزني للصحافيين، انّ الرئيس زوّده بالتعليمات والتوجيهات التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار في الايام المقبلة، لافتاً الى «وجود عدد من النقاط غير الاساسية وغير الجوهرية ستتمّ خلال الساعات المقبلة معالجتها، وعلى هذا الاساس سيتمّ التوقيع النهائي على العقد الجنائي».

وأوضح وزني، أنّ تنفيذ عملية التدقيق الجنائي تبدأ فوراً بعد توقيع العقد بفترة اربعة او خمسة أيام، وعلى الشركة المعنية أن تكون موجودة في بيروت للبدء بهذه العملية. ويتكوّن فريق التدقيق بشكل عام من 16 شخصاً، الّا انّ الفريق الدائم والمعني بعملية التدقيق يتألف من 9 اشخاص. لافتاً الى انّه يجب خلال فترة 10 اسابيع من تاريخ انجاز العقد ان يكون التقرير الاولي للتدقيق الجنائي جاهزاً.

اضاف رداً على سؤال: «انّ مطلب الرئيس اليوم من التدقيق هو اصلاحي وليس الهدف منه فقط التدقيق الجنائي في ما يتعلق بموضوع مصرف لبنان، بل يجب ان يطال هذا الاصلاح ايضاً جميع المؤسسات العامة كما الوزارات. من هنا إنّ وجهة نظر الرئيس هي اوسع من ان يُقتصر هذا التدقيق على حسابات مصرف لبنان».

وحول ما يُقال عن الحاجة الى تعديلات قانونية للتدقيق بكل الملفات في مصرف لبنان، لفت وزني الى انّ هناك نظريات عدة في هذا الاطار، الّا انّه من خلال هيئة تحقيق خاصة، هناك امكانية للولوج الى المعلومات التي يحتاجها التدقيق، إضافة الى خطوات اخرى يمكن اللجوء اليها للقيام بذلك، لأنّ مهام شركة التدقيق الجنائي ليست فقط الحصول على المعلومات السرّية، بل هناك معطيات ومعلومات كثيرة في مصرف لبنان لا تدخل في اطار المعلومات السرية. مشيراً الى انّ هناك حوالى 12 هدفاً للتدقيق الجنائي، ومعطيات البعض منها تخضع للسرّية المصرفية على عكس البعض الآخر.

النقطة الأهم

في السياق، شدّد خبير مالي ومصرفي، على ضرورة نشر محتوى العقد مع شركة Alvarez & Marsal بكل شفافية «لكي يظهر للعلن ما هو التفويض الممنوح للشركة والمهام المطلوب التدقيق بها من قبلها، لأنّه وفقاً للمهام المذكورة ضمن العقد ستظهر نتائج التدقيق. وبالتالي يشكّل الافصاح عن محتوى العقد وعن نتائج التدقيق لاحقاً، النقطة الأهمّ».

واشار الى انّ نتائج التدقيق، في حال كانت المهام المطلوبة من الشركة شاملة، وفي حال كان التدقيق شفافاً، ستُظهر العمليات التي قام بها البنك المركزي والتي أدّت الى مراكمة خسائر فاقت 50 مليار دولار. وفيما تخوّف من محاولات عرقلة عملية سير التدقيق الجنائي واخفاء بعض المعطيات، اعتبر انّ شركة Alvarez & Marsal مطالبة بالشفافية التامة والافصاح عن أية عراقيل قد تواجهها.

وقال الخبير المالي لـ»الجمهورية»، انّ الهدف الاساس للتدقيق يتعلق بحجم الخسائر في مصرف لبنان المقدّرة ضمن خطة الحكومة بـ50 مليار دولار والتي أيّدها صندوق النقد الدولي، والتي تستوجب أوّلا معرفة أسبابها وكيف نتجت تلك الخسائر التي توازي حجم الناتج القومي للبنان في 2019، «من هنا أهميّة التدقيق الجنائي، خصوصا انّه لم يتمّ نشر الحسابات المدققة لمصرف لبنان عن العام 2019 لغاية اليوم، ولا يمكن بالتالي تقدير حجم الخسائر الاضافية التي تكبّدها البنك المركزي في 2019 و2020. إلّا انّ المؤكّد انّ خسائر مصرف لبنان ستتجاوز الـ50 مليار دولار بعد التدقيق بحسابات 2019 و2020».

كما رأى المصدر، انّ من الضروري القيام بتدقيق مفصّل حول ما جرى وما يجري في مصرف لبنان، خصوصاً منذ العام 2015 حين بدأت الهندسات المالية والدعم الذي حصل عليه القطاع المصرفي بقيمة 5.6 مليارات دولار. مشيرًا الى انّ دعم القطاع المصرفي يأتي عادة بعد موافقة الحكومات عليه ضمن سياسة اقتصادية معيّنة للتدخّل وانقاذ القطاع المصرفي، إلّا انّ ذلك لم يحصل في لبنان بل كان القرار فردياً من قِبل حاكم مصرف لبنان.

بالإضافة الى ذلك، اكّد المصدر، انّه من المفترض ان يحقق التدقيق الجنائي بالفوائد المرتفعة التي سدّدها البنك المركزي للمصارف من اجل استقطاب ودائعها وتوظيفها بسندات خزينة وتسديد فوائد ديونه للمصارف. ولفت الى انّ التدقيق قد يكشف عن عمليات اخرى حصلت داخل مصرف لبنان لا علم لأحد بها، قد تكون مرتبطة بحجم احتياطي الذهب، الذي لم تستطع شركات تدقيق الحسابات «ديلويت» و»ايرنست أند يونغ»، وفقاً لما جاء في تقاريرها الصادرة في 2018، التدقيق بكميات الذهب الموجودة لدى البنك المركزي إن كان في لبنان او في الولايات المتحدة.

كما اوضح المصدر، انّ شركة التدقيق ستحقق في الارقام التي يصنّفها مصرف لبنان بالارباح المستقبلية seigniorage.

واكّد انّ امكانية وقوف السرّية المصرفية عائقاً امام التدقيق الجنائي، هو كلام فارغ، مشدّداً على عدم الحاجة لتعديلات قانونية لامكانية التدقيق بكل الملفات، ولافتاً الى انّ اثارة موضوع السرّية المصرفية قد تكون مرتبطة بعمليات التحويل المالية الى الخارج، والتي لم يتمّ الكشف عنها بعد.

وفي الختام، اكّد الخبير المصرفي، انّ اهمية التدقيق الجنائي هو تحديد حجم الخسائر الفعلية في مصرف لبنان وحقيقتها، وهي نقطة اساسية يطالب بها صندوق النقد الدولي قبل الموافقة على اي برنامج إنقاذ للبنان.