كتبت مريم مجدولين لحام في “نداء الوطن”:
لا تنطوي “الحلول التعويضية” المتخذة من قبل الدولة اللبنانية حتى الآن على أي عائد إيجابي للمتضررين بممتلكاتهم من انفجار مرفأ بيروت. فيتأرجح المواطن المنكوب بين غياب هيئة إدارة الكوارث في لبنان من جهة، وعدم تطبيق اي مسح جدي أو كشف على الاضرار التي لحقت بهم تمهيداً للتعويض عليهم من جهة أخرى. أما من أمّن منهم على أفراد عائلته، وممتلكاته ومركباته، فينتظر مع شركات التأمين، نتيجة التحقيق التي ستحدد طبيعة الإنفجار ليبنى على الشيء مقتضاه.
في الوقت الذي “يتبارى” فيه الصحافيون الإستقصائيون على فضح الملفات المتعلقة بحادثة المرفأ، لا يزال سبب الانفجار الضخم الذي أودى بحياة أكثر من 180شخصاً وتسبب بجرح 6000 ودمر جزءاً كبيراً من العاصمة اللبنانية ينتظر انتهاء التحقيقات بوجود سيناريوات عدة . لذا، تتريث شركات التأمين في التعامل مع الكارثة وطبيعتها ونتائجها وبدء التعويض فيما يواصل معظم المواطنين المتضررين إزالة الركام من ممتلكاتهم واجراء بعض التصليحات الخفيفة بمساعدة جمعيات المجتمع المدني.
“أي تحقيق سيُعتمد”؟
أكد مصدر في نقابة وسطاء التأمين لـ”نداء الوطن” انه حتى الساعة، تم تلقي حوالي 2500 طلب تعويض تشكل ما قيمته 425 مليون دولار والتقديرات الأولية تفيد أن عدد الطلبات قد تصل إلى 10 آلاف طلب، ولكن جميعها “معلقة” في انتظار نتائج التحقيقات ضمن فترة ترقب حذرة قد تستغرق سنوات إلى حين تحديد “المسبب”. وفي هذه المرحلة الحرجة، تعمل شركات التأمين على تلقي الطلبات من المتضررين، سواء في منازلهم او سياراتهم او مكاتبهم ومؤسساتهم، كما ترسل الخبراء والورش الفنية المتخصصة للكشف على الأضرار وإعداد الملفات للمضمونين لديها. أما المشكلة الكبرى بحسبه، فمن المتوقع ألا تُدفع أي مبالغ تعويضية، لا للمناطق المتضررة خارج المرفأ ولا داخله، إن ثبت أن ما تسبب في الإنفجار كان عملاً مدبراً أو نتيجة عمل إرهابي أو حتى في حال وقوعه نتيجة مواد خطرة .
وعليه، فإن المعضلة الأساسية اليوم تكمن في انتظار تقرير لجنة التحقيق لتحديد وتوصيف طبيعة الكارثة وجلاء ظروف الانفجار واسبابه المباشرة وغير المباشرة، وما إذا كانت حادثة إرهابية أو عملاً تخريبياً متعمداً أو ناجمة عن تخزين مواد متفجرة عن عمد أو ما إذا حدث هذا الإنفجار نتيجة إهمال أو تقصير أو اندلاع حريق أو استهداف سياسي أو عدوان خارجي كأن تبين أن ما أشعل المواد كان صاروخاً أطلق من الجو!
وبما ان تحديد الأسباب التي أدت إلى انفجار المرفأ يعد عاملاً أساسياُ في تحديد مسؤولية شركات التأمين، ومعياراً أساسياً في تحديد ما إذا سيتم دفع أو عدم دفع التعويضات سواء من قبل شركات التأمين العاملة محلياً أو من قبل شركات الإعادة، يأتي السؤال الأهم الذي لم يجبنا عليه أحد حتى الآن: أي تقرير سوف يتم اعتماده كمعيار؟ هل التقرير الدولي الذي أعلنت النيابة العامة الفرنسية أنها فتحته ليشمل جريمة القتل غير العمد بعد وفاة أحد مواطنيها المهندس جان مارك بونفيس أم التحقيق الذي يشارك فيه فريق من
الـ”FBI” الأميركي أم سيعتمد التقرير الذي سينتج عن تحقيقات المجلس العدلي التي عادة ما تستغرق أكثر من 10 سنوات؟
ورغم أنه من المبكر الحديث عن حجم الخسائر، تعددت الأرقام والواقع المأسوي واحد. فقد قدر معهد التمويل الدولي الأضرار التي خلفها انفجار مرفأ بيروت أنها قد تتجاوز الـ7 مليارات دولار أميركي. أما سفين ألتوف عضو مجلس إدارة شركة التأمين “هانوفر ري” ومقرها ألمانيا ، فيتوقع خسائر إجمالية لشركته لا تقل عن 10 ملايين يورو. وبحسب رئيس مجلس إدارة شركة “أروب انشورنس” فاتح بكداش فإن مطالبات التعويض يمكنها أن تتخطى الـ 250 مليون دولار.
من جهتها، طالبت “جمعية شركات الضمان” بتسريع إصدار التقرير الرسمي عن الانفجار بأسرع ما يمكن، وبتوفير التسهيلات المالية لشركات التأمين لدفع الأموال بعد صدور التقرير الرسمي عن الإنفجار انطلاقا من الشروط الواردة في العقود المبرمة مع المؤمّنين على أن تُجرى مقاصة بين شركات التأمين “البنك الدولي” و”مؤسسة التمويل الدولية” كما طالبت إدارة مرفأ بيروت بإصدار تقرير تعلن فيه تَلَف البضائغ التي تم إخراجها من الحاويات قبل الانفجار والموجودة على أرض المرفأ، الأمر الذي يوفر كثيراً من الوقت والجهد لدفع الأضرار إلى أصحابها ولكن حتى الآن لم يتم تأكيد ما إذا سيحصلون على طلباتهم أم لا.
أما بالنسبة لغير المضمونين، أو الذين لا يملكون تأميناً على ممتلكاتهم، فقد اشار الامين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء محمد خير لـ”نداء الوطن” الى أن على المواطنين المتضررين من انفجار بيروت “توثيق أضرارهم عبر التصوير الفوتوغرافي أو الفيديو، مع إثبات لملكية “الشيء” المتضرر كالسيارة والمحل التجاري أو الشقة أو المبنى وابراز صورة عن الهوية والتوجه مباشرة إلى مختار المحلة التابعة له وتنظيم إفادة بالأضرار والخسائر وتحديد عنوان السكن بشكل مفصل مع رقم العقار وهاتفين خلويين والطلب من المختار تقديمها إلى لجنة المسح التابعة للجيش اللبناني، أو حتى تقديمها بأنفسهم للجان التي ستتولى الكشف بعدها. وفي حال تم تصليح أي شيء الإحتفاظ بالفواتير الأصلية” وبعدها يعود لمجلس الوزراء القرار بصرف التعويضات من عدمه.
حالياً تجمع شركات التأمين أن العبء الأكبر سيرمى على عاتق شركات الإعادة العالمية الكبرى التي تتعامل مع السوق اللبنانية وأهمها السويسرية والألمانية مع العلم أن عقود “التأمين على العقارات في لبنان” تُعتبر الأقل من ناحية العقود التأمينية المبرمة في البلاد ككل، حيث أنها “غير اجبارية”. وعليه، إن أغلبية التأمينات هي إما عقود “تأمين على الحياة” أو “تأمين طبي” أو “تأمين على السيارات” وتشكل 85% من إجمالي المساهمات المكتوبة مقابل 6% للتأمين على العقارات. ولكن، ضرب الإنفجار واحداً من أهم وأغلى المناطق عقارياً، وبالتالي بقي “العبء كبيراً”.
هل يصمد القطاع؟
وقبل التطرق إلى مسألة إحصاء الأضرار وعما إذا كان القطاع يستطيع الصمود، لا بد من الإشارة إلى أن هناك عدة أنواع من التأمين مثلاً بوالص “تأمين الحريق الاعتيادية” وهي بوالص لن تغطي الخسائر حتى لو تضمنت بند الانفجار الداخلي في المنازل. أما بالنسبة لبوالص التأمين التي تشمل “المخاطر العقارية أو الصناعية” فلن تغطي الخسائر إذا ما ثبت أن الحادث عرضي وليس تخريبياً. كما أن بوليصة التأمين “ضد مخاطر الحرب والإرهاب والطيران” فتغطي حسب النص الموجود في البوليصة كما أن بعضها يغطي مثلا السرقة بعد الإنفجار. كما أن هنالك عدة أنواع من بوالص التأمين وتختلف من حيث تفاوت القيمة الإحتفاظية لدى كل شركة.
من جهتها، تحركت لجنة الرقابة على هيئات الضمان كإحدى أهم الجهات المعنية في قضايا التأمين والتعويضات المطلوبة، بهدف التصدي للتداعيات الناجمة عن الانفجار وجبه انعكاساتها على المضمونين وشركات التأمين. وأشارت رئيسة اللجنة بالإنابة نادين حبال العسلي أن “أي حديث عن واقع قطاع التأمين حالياً هو سابق لأوانه” وأنه “قد تم تشكيل “مرصد أسبوعي” يعمل منذ السابع من آب الحالي على تحديد حجم الخسائر المؤمن عليها وجمع كامل المعلومات الخاصة بعقود التأمين ودراسة وضعها التأميني عبر متابعة العمليات التأمينة المتصلة بها، كما تعمل للحصول على كامل المعلومات الخاصة بتأمين مرفأ بيروت وإهراءات القمح. أي باختصار يقوم بعملية مسح وإطلاع على العقود المبرمة بين الشركات والمؤمّنين، وهذا ما يكلف وقتاً سواء لجهة الكشف على الأضرار أو لجهة مراجعة العقود والشروط المنصوص عنها والتي لم يتم توحيدها مسبقاً” وبعدها “سيتم رفع تقرير مفصل إلى لجنة مختصة من محامين مختصين بعقود التأمين لمتابعتها إذ أنه وبعد صدور نتيجة التحقيق، سيتم تحديد ما سيسدده قطاع التأمين من متوجبات عليه عملاً بشروط العقود ووفقاً لجداول المنافع المحددة كما سيتم تنظيم عمليات التسديد والتعويض، خاصة منها ما هو عبر شركات ضمان عالمية أي شركات الإعادة والتي لم تتخلف مسبقاً عن تنفيذ موجباتها وقد أبدت استعداداً منذ اللحظة الأولى للإنفجار بالإلتزام بما يترتب عليها من مستحقات بحسب العقود المبرمة”.
تنبئ الكوارث المتتالية في الصيف الجاري في لبنان بأن “حكومة أخصائيين غير مستقلة” لم تشكل سياجاً رادعاً لوقف الإنهيارات على كل الصعد والقطاعات. وبالتالي، في ما خص قطاع التأمين نسأل: هل ستنجو جميع شركات التأمين الستين العاملة في لبنان من تداعيات جائحة فيروس كورونا والاضطراب المالي ومؤخراً انفجار مرفأ بيروت؟ هل باستطاعتها الصمود في وجه هذه الكارثة الكبرى؟ هل ستكشف الكارثة عن شركات تأمين لا تستوفي الشروط؟ وما هي المبالغ التي ستترتب على الشركات لتسديد النسب التي احتفظت بها؟
تشير أوساط القطاع الى أنه لا خوف على استمراريتهم، بخاصة أن نظام الإعادة سيخفف كثيراً من الأعباء على شركات التأمين ولكن من المحتمل أن يشهد القطاع عمليات اندماج أو تملك بين الشركات وانسحاب بعض الشركات الصغيرة من السوق بخاصة مع تزايد معدلات الفقر والبطالة التي تجعل من التأمين “كماليات” بالنسبة للمواطن.
أما تقرير “إيه إم بيست” لقطاع الأسواق فيؤكد أنّ القطاع التأمينى في لبنان يواجه كارثة اليوم فى أعقاب مجموعة صعوبات واجهها في الفترة السابقة كـ”الاضطرابات المدنيّة والدين العام المتضخم الذي أدى إلى زيادة مستوى الشكوك الاقتصاديّة، ما يؤثر سلباً على الجودة الائتمانية لسوق التأمين في لبنان”. وبخاصة منذ أن تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الذي كبد الشركات مبالغ إضافية في التأمين الصحي وتأمين السيارات ناهيك عن تداعيات تفشي كورونا على القطاع. أمّا بالنسبة إلى السوق الدولية، فيُتوقّع أن “تتأثّر مجالات الأعمال البحريّة والعقاريّة. ويجري بعض المراقبين مقارنات مع انفجار عام 2015 في ميناء تيانجين الصيني الذي أبرز مخاطر متراكمة في الموانئ بالنسبة إلى شركات التأمين وشركات إعادة التأمين الدولية، وأدى إلى خسارات كبيرة في شركات النقل العالميّة المهمّة”.