كتب عمّار نعمة في “اللواء”:
تبدو الساحة اللبنانية في هذه الفترة أحوج ما تكون الى التهدئة والإستقرار السياسي وتعبئة الفراغ الحكومي، في ظل هشاشتها أمنياً والكارثة الإقتصادية والإجتماعية المحيقة بها.
لا يمكن فصل اللحظة السياسية الحالية عن الوضع المزري للبنانيين الذين لم يأت تفجير المرفأ سوى ليزيد من مآسيهم وسط صعوباتهم في مواجهة جائحة «كورونا» في ظل إرتفاع خطير في أعداد المصابين بالفيروس.
وكان لافتا للنظر تسارع الأحداث الأمنية بين منطقة وأخرى وإتخاذها أشكالا مختلفة، من السلاح المتفلت الى السرقات ونهب الأملاك المتضررة من تفجير المرفأ من دون مواجهة جدية لتلك العادة المستجدة المخيفة، في الوقت الذي يحذر فيه كثيرون من جرائم قد تحصل نتيجة الجوع والحرمان عند شرائح لبنانية واسعة.
يأتي كل ذلك وسط سجالات سياسية عقيمة وسلطوية بين القوى السياسية في عودة للبلاد الى ما قبل تاريخ 17 تشرين. وفي خضم كل ذلك جاء حادث بلدة كفتون في قضاء الكورة ليضع كل هؤلاء المسؤولين أمام إستحقاق إخراج البلاد من غفوتها وفراغ السلطة فيها.
وأد الفتنة
وفي الوقت الذي إعتقد فيه كثيرون أن زمن العمليات الارهابية قد ولى، حمل الحادث الأخير الكثير من علامات الاستفهام، ولعل الراحلين الثلاثة من أعضاء البلدية في القرية، علاء فارس وجورج وفادي سركيس، قد فدوا بدمائهم فتنة كان يحضر لها. وهو ما يشير إليه وائل حسنية الذي يقوم بمهام رئاسة «الحزب السوري القومي الإجتماعي» الذي ينتمي الراحلون الثلاثة إليه، لـ«اللواء». ومن دون إستباق التحقيقات في العملية، يشدد على أن هؤلاء الشباب الذين رحلوا قد وفروا على المنطقة ولبنان مشكلة كبيرة.
«علينا ان ننتظر جلاء التحقيق لكي نجيب على سؤال هدف العملية»، مع التسجيل أنها مجموعة داعشية كانت معتقلة في السابق، أما ما اذا كانت تلك المجموعة تستهدف الحزب أو شخصية ما أخرى أو ما اذا كانت تريد السرقة، «فهذا لا نعرفه مع التسجيل أن مهاجمين قد تم إعتقالهم».
ويُذكر بأحداث اغتيال عديدة حصلت سابقا وكان حزبه ضمن الذين توجهت اليهم أصابع الاتهام السياسي نتيجة الانقسام الذي كان حاصلاً وما يزال.
ربما كانت الصدفة هي ما أدت الى وأد فتنة كانت تتجول في المنطقة، بينما يحذر كثيرون من خلايا إرهابية نائمة من خارج الاصطفافات السياسية أو ما عرف بـ«8» و«14» آذار، قد لا تكون مجموعة كفتون سوى إحداها في هذا المشروع الذي قد يجد ملاذاً في ظل حالة الجوع القائمة والحرمان والأمن الهش في البلد، حسب مراقبين للوضع الأمني والسياسي في البلاد.
دور فلسطيني
لكن حسنية يشدد على أن الأمن ما يزال ممسوكا وثمة قدرات عند قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني والأمن العام في ظل ما يعرف بالأمن الإستباقي، وكان لافتا للنظر انه تم اكتشاف خيوط مهمة بعد 24 أو 48 ساعة من العملية.
هذا مع العلم أن مفتاحا كبيرا لذلك شكله جهاز لاسلكي كان ما يزال عاملا وتركه المرتكبون قبل هربهم من موقع الجريمة وشكل ذلك مفتاح ما تلا من إعتقال ومداهمة في منطقة العامرية – البيرة في عكار.. كما كان ملاحظا أن الفصائل الفلسطينية أثبتت وعياً كبيرا عبر تسليم أحد المتورطين لعدم تكرار مع حدث في مخيم نهر البارد، وهو ما يشير الى مسؤولية كبيرة لدى الفصائل الفلسطينية. ويعتبر حسنية أنه كان من الصعوبة بمكان التوصل الى إعتقال أحد المتورطين من دون تعاون كهذا. ويجب التسجيل أنها ليست المرة الاولى التي تتعاون فيها تلك الفصائل مع السلطات اللبنانية وحدث ذلك مرات عدة في المخيمات وخاصة في أكبرها عين الحلوة.
واليوم، المطلوب الوعي الكامل لما يحدث وما قد يحضر في الايام المقبلة، والتخلي عن المناكفات السياسية وتشكيل حكومة تمثل اللبنانيين وتجمع القوى المختلفة لتتحمل مسؤوليتها أمام اللبنانيين.
حال من المراوحة
لكن في كل الاحوال، ورغم النقطة الإيجابية المتمثلة بتماسك الوضع الأمني، فإن السؤال يبقى حول الى متى سيبقى هذا التماسك الأمني، وبرغم حديث غير واقعي من قبل بعض الأوساط حول نشوب حرب داخلية قريبا وعن غطاء خارجي سُحب عن لبنان، في ما يعد ضمن الإشاعات التي تهدف الى هز الاستقرار اللبناني الهش، فإن تلك المظلة الدولية ما تزال سارية، لكن ذلك لا يعني أن الخارج سيتمكن من إيصال البلاد الى الحكومة المرتجاة.
وفي ظل استمرار حكومة الرئيس حسان دياب لتصريف الأعمال، ثمة مخاوف من تواطؤ داخلي عبر التجييش الكبير الذي تمارسه قوى سياسية، مع مخططات خارجية للاستثمار في الساحة عبر التغرير بشرائح شعبية محرومة ومهمشة لم تزدها التطورات الأخيرة سوى حرماناً.
ولأجل ذلك يبدو تشكيل حكومة سريعاً حاجة وطنية. لكن حسب آخر المعطيات، لا تبدو تلك الحكومة قريبة. وبينما يعتصم الرئيس سعد الحريري بالصمت، ثمة معارضة أو عدم حماسة لعودته من قبل الحلفاء مثل رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع والزعيم «الإشتراكي» وليد جنبلاط، بينما لن يتراجع العهد ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل عن معارضتهما الواضحة له.. حتى هذه اللحظة. وهو ما يعني أن لا إنفراجة حكومية قريبة برغم أن الثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل» لن يلجآ الى تكرار خطأ تكريس رئيس حكومة صدامي مع وجدان الشريحة الأوسع لدى الطائفة السنية.
باختصار، لا حكومة قريبة من أي نوع كانت، ومن أسف ذلك أنه قد يفتح الباب أمام المزيد من العبث الأمني في البلاد في ظل حال من المراوحة.