كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:
تجري المشاورات السياسية لتأليف الحكومة العتيدة وكأنّ حكم المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه لم يصدر، فهذا الحُكم المنتظر، والذي دانَ عنصراً من «حزب الله»، لم يؤثر في البحث الجاري حول التركيبة الوزارية الجديدة. في المقابل تبرز دعوات ومطالبات جهات سياسية وشعبية بفك الشراكة السياسية مع «حزب الله» على مختلف مستوياتها، الى حين رضوخه لشروط بناء الدولة، ومنها حصرية السلاح في يد القوى العسكرية والأمنية الشرعية.
تؤكد مصادر مطّلعة على المشاورات الجارية لتأمين توافق مُسبق على الحكومة الجديدة رئيساً ووزراء، أنّه «لا يوجد أيّ ترابط بين قرار المحكمة الدولية وتأليف الحكومة، تحديداً لجهة تمثيل «حزب الله» فيها، فالقرار كان منتظراً حتى أنّه كان من المتوقّع أن تدين المحكمة المتهمين الأربعة وليس سليم عياش فقط».
وإذ تشير الى أنّ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري سبق أن ترأس حكومات يُشارك فيها «حزب الله» وكان معلوماً أنّ المتهمين في قضية اغتيال والده من «الحزب»، تسأل: «لماذا سيكون هناك مشكلة لدى الحريري الآن في المشاركة في حكومة مع «الحزب»؟ معتبرةً أنّه «على عكس ذلك هناك مصلحة الآن في أن يكون الجميع مشاركين في عملية الإنقاذ، فالوضع لا يتحمّل مكابرة ومزايدة».
وفي حين أنّ الحريري ما زال صامتاً ولم يعلن أي موقف رسمي من الحكومة المقبلة، على رغم من أنّ مشاورات التأليف تشمله، تعتبر قوى عدة، وخصوصاً من فريق «14 آذار» سابقاً، أنّ الشراكة السياسية مع «حزب الله» بعد حكم المحكمة الدولية باتت متعذرة. وتُبدي جهات معارضة استغرابها لسكوت الحريري وعدم إعلانه هذا الأمر مباشرةً بعد صدور الحُكم في جريمة اغتيال والده.
وفي هذا الإطار اقترح «لقاء سيدة الجبل»، الذي يضمّ شخصيات مستقلة معارضة، ورقة عمل سياسية أساساً لـ»نقاش جدي ومسؤول مع مختلف قوى المعارضة والاعتراض ومجموعات «ثورة 17 تشرين» التي تتقاطع عند اعتبار أنّ لبنان فاقد قراره الحر جرّاء وصاية سلاح «حزب الله»، والذي رَهن لبنان لمصلحة إيران».
ومن بنود هذه الورقة «اعتبار «حزب الله» خارج الشراكة السياسية بعد إدانته بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكونه أداة لمشروع وصاية خارجية وكلّ أدائه يناقض العيش المشترك ولبنان الرسالة، والتشديد على سقوط ثلاثية «جيش وشعب ومقاومة»، إذ ظهر في وضوح أنّ ما يُسمّى بالمقاومة هو مجرد غطاء للأعمال الإرهابية، وأنّ الجيش والشعب لا يمكنهما العيش أو التعايش والتكيّف مع الإرهاب».
ويوضح النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ»الجمهورية» أنّ هذه الدعوة تنطلق من أنّ «حكم المحكمة الدولية أكد أنّ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري حصلت لأسبابٍ سياسية ترتكز على وضوح موقف الرئيس الشهيد المُنسجم مع مؤتمر البريستول الثالث الذي دعا الى انسحاب الجيش السوري من لبنان. وشدّد الحكم على الربط بين الموقف الوطني للرئيس الحريري وبين استشهاده. كذلك أكد أنّ مَن دبّر هذه الجريمة ونفّذها وأشرف على تنفيذها هو «حزب الله»، لأنّ سليم عياش ينتمي الى هذا التنظيم المُسلّح».
وانطلاقاً من هذه الثابتة، يعتبر سعيد أنّ «الشراكة السياسية مع «حزب الله» باتت موضع سؤال وتشكيك، حتى حدود إسقاطها من بناء الدولة»، مؤكداً «أنّنا لا نشكّك بالشراكة الوطنية مع البيئة التي يمثّلها «حزب الله» ولا بالشراكة الميثاقية، بل بالشراكة السياسية مع هذا التنظيم التي باتت غير ممكنة».
أمّا المقصود بـ»فك الشراكة السياسية»، بحسب سعيد، فهو أنّ «استخدام «حزب الله» المجالس الاختيارية والبلدية والنيابية والوزارية للاختباء خلفها بغية بقائه على قيد الحياة السياسية، أصبح جريمة وطنية». وفي حين أنّ موقف «اللقاء» حاسم لجهة أنّ «الشراكة السياسية مع «الحزب» سقطت»، يدعو جميع المعنيين والأفرقاء السياسيين الى طرحها ومناقشتها.
وانطلاقاً من فك هذه الشراكة مع «الحزب»، يدعو «اللقاء» وسعيد وشخصيات أخرى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وجميع أفرقاء المعارضة الى عدم المشاركة في حكومة مع «حزب الله».
ويذهب سعيد الى أبعد من ذلك، ويقول: «ربما سنصل بعد الخلوة للدعوة الى مقاطعة الانتخابات الفرعية إذا كانت ستحصل». ويعتبر أنّ «حُكم المحكمة الدولية يطرح على الجميع، وبمَن فيهم «حزب الله»، الأسئلة الآتية: هل يُمكن المشاركة مع حزب قتلَ مرة؟ ومن يؤكد أنّه لن يقتل مرة ثانية؟ كيف يمكن أن نعيش ونتعايش مع حزب في مؤسسة واحدة، في حين أنّ القانون يُطبّق على مواطنين ولا يُطبّق على آخرين؟». ويرى «أننا إذا أردنا أن نستمر في الشراكة السياسية مع «حزب الله» يجب عليه أن يضع سلاحه خارج البيت، وأن تكون الشراكة وفقاً للشروط اللبنانية والدستور اللبناني بحصرية السلاح في يد الدولة اللبنانية وإلّا تسقط هذه الشراكة». ويقول: «من لا يريد أن يأتي الى الدولة بشروطها فليَقم ببناء دولته ونحن لا نريد مشاركته. لسنا في واقع أن نعزل أحداً، بل نعزل أنفسنا عن الشراكة معه».
وفي المقابل، وانطلاقاً من أنّ «حزب الله» يملك مع حلفائه الغالبية النيابية ويُمكنه تأليف الحكومات، يعتبر البعض أنّ فك الشراكة السياسية مع «الحزب» يعني تسليمه البلد وقرار الدولة بنحوٍ كامل. أمّا سعيد فيعتبر أنّ «الحزب» في حاجة الى شراكة الدولة اللبنانية للاختباء خلفها»، ويسأل: «لماذا لا يذهب الشيخ نبيل قاووق الى حل مسألة النقاش مع صندوق النقد الدولي؟ لماذا لا يذهب الشيخ نعيم قاسم لمناقشة موضوع حقوق الانسان مع الاتحاد الأوروبي؟ ولماذا لا يذهب السيّد حسن نصرالله الى مجلس الأمن لمناقشة شروط تنفيذ القرار 1701؟».
كذلك يعتبر سعيد أنّ «من يريد شراكة «حزب الله» بعد حكم المحكمة الدولية هو مثل «حزب الله».
وفي حين أنّ «لقاء سيدة الجبل» وجّه دعوة علنية الى المشاركة في خلوة لمناقشة فك المشاركة السياسية مع «حزب الله»، سيُجري كذلك اتصالات مع كلّ الأحزاب السياسية والتجمعات المعارضة لدعوتها الى عقد هذه الخلوة سريعاً.
فهل تتّخذ الأحزاب التقليدية والشخصيات والمجموعات المعارضة لـ»حزب الله» قراراً موحّداً بفك الشراكة السياسية معه، خصوصاً أنّ جهات معارضة عدة تؤكد أنّ قرار المحكمة الدولية الصادر في 18 آب الجاري لا يُمكن تجاوزه؟