Site icon IMLebanon

هل ينقطع حبل النجاة الفرنسي ويترك لبنان إلى مصيره؟

كتب حسين زلغوط في “اللواء”:

يبدو أن تأليف الحكومة قد دخل دائرة المراوحة، ومساحة الآمال في إمكانية الشروع في إنجاز هذا الاستحقاق قريباً بدأت تضيق، وبدأ معها الحديث عن حكومة تصريف أعمال لأمد غير قصير، وتوازياً بدأت بعض المعطيات توحي وكأن زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المقررة أوائل الشهر المقبل للمشاركة في احتفالية مئوية لبنان الكبير تتجه إلى الالغاء أو التأجيل وسط انشغالات فرنسية تتقدّم على الملف اللبناني من كورونا الى الوضع في ليبيا، وصولاً إلى ما يجري في مالي. تتكثف الاتصالات على غير صعيد لتحديد موعد قريب للاستشارات النيابية الملزمة في ظل حرب من الشروط والشروط المضادة، والفيتوات والفيتوات المضادة، فالرئيس سعد الحريري كان اشترط انه لا يريد أن يترأس حكومة يُشارك فيها «حزب الله»، و«التيار الوطني الحر» لن يُشارك في حكومة يرأسها الرئيس الحريري، و«القوات اللبنانية» ستحجم عن المشاركة في أية حكومة لا يسبق تأليفها ضمانات تتعلق بمطالب عدّة من بينها الإصلاحات، و«حزب الله» يُصرّ على المشاركة الفعالة في الحكومة، وبين هذا وذاك يعبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي عن «قرفه» من الاوضاع الراهنة وهو يبذل جهوداً فوق العادة بغية إنجاح مسعاه في الوصول إلى تأليف حكومة في أقرب وقت لمواجهة التحديات التي تواجه لبنان على غير صعيد، غير أن هذه الجهود التي دفع بها رئيس المجلس باتجاه تحقيق هذا الهدف اصطدمت بالحائط السميك الذي يرفعه رئيس الجمورية العماد ميشال عون في وجه عودة الرئيس الحريري الى السراي الكبير، وفي حال بقيت الأوضاع في دائرة الركود فإن رئيس المجلس لن يتوانى في رفع الصوت في وجه الجميع في الكلمة المتلفزة التي سيلقيها في 31 آب الحالي ذكرى إخفاء الامام الصدر ورفيقيه الشيخ محمّد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين لحثهم على التعالي عن المواقف الشخصية والدفع في اتجاه تأليف حكومة تكون قادرة على مواجهة الاستحقاقات الداخلية والتحديات الخارجية، وإلى ذلك الحين فإنه لوح في وقف عجلة تحركه والتنحي جانباً والتفرج على ما سيفعله الآخرون.

وفي مقابل المشهد «العنكبوتي» في الداخل، فإن الصورة في الخارج حيال الملف الحكومي غير واضحة بعد، إن على مستوى التكليف أو التأليف، غير ان القاسم المشترك بين الدول المعنية بالملف اللبناني من مختلف زواياه هو اشتراط الإصلاحات قبل تحديد أي موقف من مسألة التأليف، وهو موقف تبلغته الجهات اللبنانية بشكل حاسم وحازم من أكثر من قناة دبلوماسية بعدما كانت قد تبلغته بشكل مباشر من الرئيس الفرنسي عندما زار لبنان بعد انفجار الرابع من آب في مرفأ بيروت.

وفي تقدير مصادر سياسية متابعة ان لدى الخارج انشغالات كثيرة في مقدمها الانتخابات الأميركية في الخريف المقبل، وبالتالي فإن الملف اللبناني لم يعد أولوية لدى غالبية الدول، مما يفرض على المسؤولين اللبنانيين النزول عن احصنتهم الطائفية والمذهبية والشخصية والتوجه باتجاه إنقاذ بلدهم من الأزمات التي يتخبّط بها.

بري «قرفان» من الوضع السياسي.. ويفرمل عجلة اتصالاته منتظراً ما سيفعله الآخرون

وترى هذه المصادر انه فيما لو انقضى هذا الأسبوع دون تحديد مواعيد للاستشارات النيابية الملزمة، ولم يحصل توافق على تسمية الشخصية التي ستتولى تأليف الحكومة، فإن المصير اللبناني برمته سيكون على المحك، حيث ان تحدي فيروس كورونا يتفاقم، والوضع الاقتصادي والمالي يزداد سوءاً، والقضايا الاجتماعية والمعيشية إلى مزيد من التردي، وهذه التحديات مجتمعة لا يمكن مقاربتها والعمل على معالجتها الا من خلال وجود حكومة مكتملة الاوصاف، وأجواء سياسية مستقرة، لأنه من دون وجود استقرار سياسي فإن كل هذه المواضيع تبقى قابلة للاشتعال.

وتستغرب هذه المصادر كيف ان المسؤولين اللبنانيين يربطون في كل مرّة استحقاقاتهم الداخلية دستورية كانت أم غير ذلك باستحقاقات مرتقبة في الخارج، فعلى سبيل المثال هناك من بدأ يربط الملف الحكومي بالانتخابات الأميركية في الخريف المقبل، وهناك من يربط هذا الملف بما قد يحمله الرئيس الفرنسي إلى لبنان في حال حصلت الزيارة في موعدها. اما آن للبنان ان يستقل باستحقاقاته وملفاته عن الخارج ويعمل على متابعة هذه الاستحقاقات والملفات من منطلق المصلحة الوطنية العليا، بعد ان مررنا بتجارب عديدة وكانت في غالبيتها تجارب مريرة؟

وفي الوقت الذي تبدو فيه معظم الجسور مقطوعة بين الأطراف المعنية بعملية التأليف، سجلت الساعات الأخيرة اتصالات لاحداث خرق في الجدار الحكومي من شأنه ان يحرك المياه السياسية الراكدة، غير ان هذه الاتصالات لم تحرز أي تقدّم وهو ما أوحى بإمكانية دعوة الرئيس ميشال عون نهاية الأسبوع المقبل إلى استشارات نيابية ملزمة، علماً بأن أي توافق على اسم مرشّح لرئاسة هذه الحكومة لم يحصل، وان المواقف السياسية ما تزال على حالها، حيث ان الثنائي الشيعي بقي متمسكاً بالحريري، فيما باقي الأفرقاء رفضوا ذلك، وفق أسباب وخلفيات مختلفة.

وترى المصادر السياسية ان نافذة الأمل في إمكانية تأليف حكومة في غضون أيام لم تقفل بعد، وان حركة الاتصالات ستتكثف في الداخل وبين الخارج والداخل لإتمام التوليفة الحكومية كون ان الوضع اللبناني لم يعد يحتمل الكثير من الترف والمناورات، مشددة على ان حبل النجاة الفرنسي يجب ان لا ينقطع في ظل شبه الاحجام الدولي عن مساعدة لبنان بغض النظر عن المساعدات العينية التي قدمتها بعض الدول بعد انفجار المرفأ، معتبرة انه في حال انقطع هذا الحبل سيترك لبنان إلى مصيره وهنا تقع الواقعة.