كشفت مصادر سياسية معنية بحركة المشاورات، انّ ما هو سائد بين الاطراف المعنية بالملف الحكومي، هو عملية عضّ اصابع متبادلة، ورغم ذلك، فإنّ محاولة اخراج “تكليف توافقي” موضوعة على نار حامية، لافتة الى انّ المعطيات المتوافرة لديها حتى الآن، تجعلها تستبعد اجراء الاستشارات النيابية الملزمة قبل يوم الثلثاء، وذلك لخمسة اسباب:
السبب الاول، هو انّ التوافق لم يحصل بعد على اسم الشخصية التي سيتمّ تكليفها تشكيل الحكومة، علماً انّ الرئيس الحريري هو وحده المطروح لهذه المهمة. ولم يصدر عنه حتى الآن، ما يشير الى تبدّل موقفه بعدم مبادرته الى تسمية او تغطية اي شخصية بديلة منه، سواء من تيار “المستقبل” او من خارجه.
السبب الثاني، انّ مختلف القوى السياسية، وخصوصاً تلك التي كانت تشكّل الحاضنة السياسية لحكومة حسان دياب، ترفض تكرار ذات الطريقة التي تمّ فيها تكليف دياب تشكيل الحكومة، ولا تجربة تكليف شخصية شبيهة برئيس الحكومة المستقيل، اياً كانت مزاياها ومناقبيتها ومواصفاتها الاخلاقية.
السبب الثالث، انّ فئة اساسية من هذه القوى السياسية، يتقدّمها الثنائي الشيعي، ترفض ان تشارك في ما يُسمّى “غبن الطائفة السنّية”، عبر تسمية شخصية لرئاسة الحكومة لا تريدها الطائفة، والتجربة مع حسان دياب اكّدت ذلك، اضافة الى انّ الطائفة السنّية بكل مستوياتها السياسية والدينية والشعبية، اعلنت صراحة انّها تريد من تعتبره معبّراً عنها في رئاسة الحكومة، ومن هنا اعلانها الوقوف مع الرئيس سعد الحريري بوصفه الاكثر تمثيلاً، وما ينطبق على رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب، ينبغي ان ينطبق على رئاسة الحكومة.
وما يجدر ذكره هنا، انّ حالاً من الغليان تسود المستويات السنّية على اختلافها، وتحديداً في دار الفتوى. وزاد هذا الغليان مع ما تردّد في الايام الاخيرة حول عزم رئيس الجمهورية على تحديد موعد الاستشارات الملزمة لاختيار شخصية غير الحريري. وكذلك مع ما اعتبرتها المستويات السنّية “محاولة استلاب صلاحيات رئيس الحكومة”.
وبحسب معلومات الجمهورية، فإنّ تحضيرات كانت قد بدأت لعقد اجتماع سنّي موسّع ( ربما في دار الفتوى) رفضاً لهذه المحاولة، التي تبدّت في ما قيل انّها محاولة من قِبل رئيس الجمهورية وفريقه السياسي لتأليف الحكومة قبل تكليف رئيسها، على ان يصدر في ختام هذا الاجتماع بيان شديد اللهجة، الّا انّ اتصالات جرت في الساعات الماضية، نجحت في صرف النظر عن هذا الاجتماع، وكذلك عن البيان العنيف، مع الاشارة هنا الى زيارة قام بها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الى دار الفتوى ولقائه المفتي عبد اللطيف دريان.
السبب الرابع، وهو انّ تحديد موعد لاستشارات “لا توافقية” سيُعدّ موقفاً استفزازياً للسنّة ولغير السنّة، فضلاً عن انّه قد يؤدي الى حدوث مفاجآت غير محسوبة في التسمية، وربما مفاجآت غير محمودة للمتحمسين على اجراء هذه الاستشارات، ليس اقلّها مقاطعة هذه الاستشارات من قوى سياسية عديدة.
السبب الخامس، انّ تحديد موعد لاستشارات خلافية، وقبل التوافق المسبق على اسم الرئيس المكلّف، قد يُعتبر “دعسة ناقصة جداً” عشية وصول ماكرون الى بيروت، من شأنها ان تؤدي الى تعقيدات كبرى يصعب احتواؤها آنياً ولاحقاً، فضلاً عن انّ هذه الاستشارات الخلافية إن تمّ تحديد موعد لاجرائها، قد تُعتبر انّها تُرمى في وجه الرئيس الفرنسي قبل وصوله، ومعلوم انّ ماكرون متحمس لعودة الحريري الى رئاسة حكومة وحدة وطنية او حكومة جامعة بأوسع تمثيل. وربطاً بما تقدّم، نجح الوسطاء في سحب فتيل الدعوة الرئاسية الى الاستشارات الخلافية.