حمل رئيس مجلس النواب نبيه بري اسم الرئيس سعد الحريري منذ ايام وجال به على المقار الرئاسية وطرحه في سلسلة اتصالات مع القوى السياسية، كمرّشح أول وحيد لتولي رئاسة الحكومة العتيدة. غير ان مسعاه هذا، سرعان ما اصطدم بلاءين: الاول رفعها في وجهه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. والثاني، وللمفارقة، رفعها الحريري نفسه الذي أصدر بيانا منذ يومين طلب فيه وقف التداول باسمه معلنا انه ليس مرشحا للعودة الى رأس السلطة الثالثة.
وقد دل مسار المبادرة التي قام بها رئيس المجلس (بدعم قوي من حزب الله)، الى انها لم تكن منسّقة مع زعيم التيار الازرق، اذ ان “الثنائي الشيعي” يريد الحريري في السراي لكن ليس بشروط الاخير، بل بشروط الحزب وأمل… فولدت ميتة.
بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية” فإن سيناريو مشابها الى حد كبير يتكرّر اليوم، وعلى الارجح سيلقى المصير الفاشل عينه. بعد ان انسحب الحريري من السباق الى رئاسة الحكومة ببيان حاسم وواضح، روّج فريق 8 آذار عبر إعلامه في الساعات الماضية، ان الاستشارات النيابية باتت وشيكة وفي الايام القليلة المقبلة، وربما سبقت وصول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى بيروت الثلثاء. واشارت المعلومات المسرّبة الى ان الثلاثي الحاكم الحزب – الحركة – التيار، سيسمّي مَن يطرحه الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة، وذلك تفاديا لإغضاب الشارع السني من جديد، كما حصل ابان تسمية الرئيس حسان دياب في تجربة أثبتت فشلها “عن جدارة”.
لكن هذه الاجواء الايجابية التي يحاول أهل السلطة اشاعتها، غير مبنية على اية أسس واقعية فعلية، بل على العكس. فإن المواقف الصادرة عن “المستقبل” وعن أوساط بيت الوسط، تؤكّد بوضوح ان الحريري لن يسمّي اي شخص قبل ان يصبح في قصر بعبدا للمشاركة في الاستشارات النيابية، أي انه ليس في وارد الدخول في بازار “حكومي” ولا في وارد اعلان دعمه لهذا المرشّح او ذاك، خاصة وانه اي الحريري، اذا قدّم اسما ما، فسيكون دعمه له مشروطا بأن يشكّل حكومة تكنوقراط مستقلين من خارج سيطرة الاحزاب، ولن يؤيّده ليؤلّف حكومة وفق تصوّر الثلاثي الاصفر- الاخضر-البرتقالي!
واذ لا تستبعد ان يكون ما يفعله الفريق الحاكم اليوم، هدفه حشر الرئيس الحريري ومحاولة تحميله مسؤولية عرقلة التأليف، او الفشل اذا ما سمى شخصية ولم تنجح في الانقاذ، تقول المصادر ان لا حل لكسر المراوحة والستاتيكو السلبي القائم، الا من خلال اللجوء الى اللعبة الديموقراطية والقواعد الدستورية لتشكيل الحكومات. اي ان المخرج الوحيد للمأزق الحكومي هو بأن يدعو رئيس الجمهورية اليوم قبل الغد، الى الاستشارات النيابية، فيصار الى تكليف الشخصية التي تفوز بأعلى عدد من الاصوات، تشكيل الحكومة (التي تراها هي الانسب للمرحلة)، مهما كان اسمها وانتماؤها. اما الاصرار على الاتفاق على الحكومة رئاسة وشكلا في الغرف المغلقة، وعدم دعوة الكتل الى بعبدا الا للبصم عليها، في استشارات “شكلية”، فسيطيل امد الازمة في بلد لم يعد يحتمل مماطلة وتسويفا. وقد حذر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان من أن لبنان يواجه خطر اختفاء الدولة بسبب “تقاعس” النخبة السياسية التي يتعين عليها تشكيل حكومة جديدة سريعًا لتنفيذ إصلاحات ضرورية للبلاد، مضيفا “لن يوقع المجتمع الدولي شيكًا على بياض إذا لم تنفذ السلطات الإصلاحات. عليهم تنفيذها سريعًا… لأن الخطر اليوم هو اختفاء لبنان”.