كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:
بعد إعلان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري انسحابه من السباق الحكومي، لم تعد حكومة الوحدة الوطنية واردة، خصوصاً أنّ الأمل في إبصارها النور كان ضئيلاً، في ظلّ الموقف المعلن للأحزاب السياسية التقليدية المعارضة لحكومة كهذه، والرفض الشعبي لها. فأيّ شكل ستتخذه الحكومة السابعة والسبعون في تاريخ لبنان، والرابعة في عهد الرئيس ميشال عون؟
هل ستكون الحكومة المرتقبة حكومة عون والثنائي الشيعي ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، أي تركيبة اللون الواحد؟ هل من أمل في ولادة حكومة اختصاصيين مستقلّين في ظلّ معارضة «حزب الله»؟ أو أنّ الحكومة الجديدة ستكون نسخة مكرّرة عن حكومة الرئيس حسان دياب؟ أو حكومة جديدة مختلفة شكلاً ومضموناً؟ وهل ستُبصر النور قريباً أم أنّها مؤجّلة الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ وهل ستفرز الاستشارات النيابية الملزمة اسماً يُكلّف تأليف الحكومة بأكثرية واضحة؟ أم أنّ الأسماء ستكون مُبعثرة ولن يحظى أيّ اسم على إجماع أفرقاء عدة من مختلف القوى السياسية؟ وهل ستشارك كلّ الكتل النيابية في استشارات التكليف ثم استشارات التأليف؟ وهل ينجح الرئيس المكلّف بتأليف حكومة سريعاً؟ وهل تكون قادرة على إجراء الإصلاحات المطلوبة وتنال ثقة مجلس النواب والمجتمعين المحلي والدولي؟ كيف ستقارِب ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»؟ وهل تحضِّر لإجراء انتخابات نيابية مبكّرة؟
لا إجابة حاسمة عن أيّ من هذه الأسئلة المطروحة الآن. هذه المرحلة مفتوحة على كلّ الإحتمالات، وتتخطّى حدود التركيبة الوزارية وتصل الى حدّ طرح شكل الدولة من أساسها على مشارف المئوية الأولى لولادة لبنان الكبير، في ظلّ الانقسامات في البلد والأزمات المتفاقمة والإنهيار الذي يقارب أن يكون تاماً ونهائياً. ويُمكن لأي عامل إضافي أو مستجد أن يغيّر كلّ المسارات، ومنه العامل الأمني الداخلي أو على الحدود، إضافةً الى العوامل الخارجية والاتفاقات والتركيبات الحاصلة في المنطقة، فضلاً عن بروز انقسام جديد – قديم حول سلاح «حزب الله» ودوره والمطالبة بفك الشراكة السياسية معه، والمسعى لإعلان حياد لبنان، الذي يأخذ مساراً جدّياً، انطلاقاً من البطريركية المارونية في بكركي مروراً بالفاتيكان ووصولاً الى مجلس الأمن والأمم المتحدة.
إعلان الحريري عدم ترشحه لرئاسة الحكومة وطلب سحب اسمه من التداول في هذا الإطار، خلطا كل الأوراق والمشاورات الجارية التي أطلقها عون وما زال يجريها، إذ لا مرشح علنياً آخر ولا أسماء متداولة بنحوٍ جدّي ورسمي من أكثر من فريق. وعلى رغم من أنّ انسحاب الحريري يُشكّل سبباً إضافياً ليكمل عون اتصالاته ومشاوراته، حسب مصادر قريبة منه، إلّا أنّ من المرجح أن يجري عون الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس للحكومة بين السبت والاثنين المقبلين، قبل عودة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى بيروت الثلثاء في 1 أيلول المقبل.
وعلى رغم من المواقف المعلنة لبعض أفرقاء المعارضة الرافضة حكومة وحدة وطنية، تؤكّد مصادر مطلعة على المشاورات، أنّّها لا تَجري ضمن الفريق الواحد بل تشمل كثيراً من الأفرقاء وكلّ الكتل النيابية تقريباً، إلّا أنّهم لا يعلنون ذلك عملاً بمبدأ: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان».
وفي حين أنّ غالبية القوى السياسية لا تريد تكرار تجربة حكومة دياب، كذلك لا تريد حكومة سياسية مماثلة لحكومات الحريري السابقة، تتصدّر الآن قائمة التشكيلات الحكومية «حكومة تكنوسياسية»، تجمع بين خبرة التكنوقراط وتجربة السياسيين الملمّين بالعمل الوزاري، وقد يكونون شاركوا في حكومات سابقة.
أمّا حكومة اللون السياسي الواحد فمستبعدة حتى الآن، على رغم امتلاك «حزب الله» وحلفائه الغالبية النيابية. إذ إنّ الجو الآن لا يشجّع على فكرة الحكومة السياسية، لأنّ المنتفضين يرفضونها، ولا يمكن تجاهل نبض الشارع ومطالبه، خصوصاً أنّ قسماً كبيراً منها محق، ويجب بمقدار الإمكان تكييف التركيبة الوزارية بنحو يُرضي الكتل النيابية، أي القوى السياسية التقليدية، ولا يستفز الشارع في آن، وفق مصادر مُشاركة في المشاورات الحكومية. وانطلاقاً من عدم استفزاز الشارع وإشعال الثورة مجدداً، تؤكّد المصادر نفسها، أن ليس مطروحاً أن يكون السياسيون المشاركون في هذه الحكومة التكنو – سياسية من الفئة الأولى، مثل باسيل والنائب علي حسن خليل.
وسيكون هدف هذه الحكومة إنجاز العمل المطلوب من لبنان لجهة الإصلاح ومكافحة الفساد، والذي بات مطلباً داخلياً وخارجياً جامعاً، ومن دونه لا إمكانية لأي دعم مالي خارجي، في وقتٍ يقترب لبنان من خط المجاعة الفعلية جراء استنزاف احتياطي مصرف لبنان، وبالتالي خطر توقفه عن دعم السلع الأساسية مثل الدواء والطحين والمحروقات. حتى وزير خارجية قطر الذي زار لبنان أمس الأول، أكّد هذا الأمر خلال لقائه المسؤولين، مشدّداً على الإصلاح أولاً، فاصلاً بين مساعدة قطر لبنان لإصلاح ما تدمّر جراء انفجار المرفأ وبين المساعدة على الخروج من الأزمة الإقتصادية – المالية السابقة لجريمة 4 آب.
وتؤكّد مصادر معنية، أنّ هناك تدفقاً كبيراً للمساعدات الدولية لما خلّفه الإنفجار في بيروت، فيما سبل النجاة مالياً تضيق، في ظلّ غياب أي دعم ولو كان بسيطاً. انطلاقاً من ذلك، يُعمل على حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات سريعاً، خصوصاً أنّها معروفة وجاهزة على الورق، فلا يُمكن الآن إضاعة الوقت مثلما حصل مع الحكومة الأخيرة المستقيلة.
أمّا الانتخابات النيابية المبكّرة المطلوبة من الشعب وجهات سياسية عدة، خصوصاً حزبي «الكتائب اللبنانية» و»القوات اللبنانية»، اللذين تقدّم كلّ منهما بإقتراح قانون لتقصير ولاية مجلس النواب الحالي، والتي أدّت الى «تطيير» حكومة دياب، فهي غير مطروحة في المدى القريب لدى السلطة، ولن تكون من أولويات الحكومة المقبلة، حسب العاملين على تركيبها.