كتب عمر البردان في “اللواء”:
أدرك الرئيس سعد الحريري أن شيئاً لم يتغير في الذهنية الحاكمة والمتحكمة، وأن لا مجال لهذه السلطة لأن تأخذ على عاتقها السير في مشروع الإصلاحات الذي تنادي به الدول المانحة، ففضل ألا يكون رئيساً للحكومة الجديدة، وهو موقف لم يكن مفاجئاً لدى الكثيرين الذين كانوا على دراية تامة، بأن رئيس «تيار المستقبل» لم يغير موقف منذ تقديم استقالة حكومته في تشرين الأول الماضي . وبالتالي فإن قراره هذا جاء منسجماً مع قناعاته، رغم بعض المحاولات التي كانت تشجعه على ترؤس الحكومة الجديدة، وتحديداً من جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري، في حين أن موقف «حزب الله» العلني أقله، كان غير ممانع لعودة الحريري إلى السرايا الحكومية. ويقول المطلعون على خلفيات موقف رئيس «المستقبل»، لـ«اللواء»، أن «الرجل كان منذ البداية يريد الوصول إلى حكومة إنقاذية، لأن البلد لم يعد يتحمل المزيد من الانهيارات على مختلف الأصعدة، وسط هذه اللامبالاة من جانب أهل السلطة الذين لا يريدون إلا تحقيق مصالحهم على حساب مصلحة الدولة ومؤسساتها. وقد سعى الرئيس الحريري جاهداً من أجل إنقاذ البلد، بما يساعد على تشكيل حكومة تتمتع بهذه المواصفات، لكنه وجد أن الأمور لم تحرز أي تقدم لأن هناك من لا يريد أن يتحقق هذا الإنقاذ، وبالتالي فإن كل الحوارات الجارية لا يبدو أنها ستقود إلى إنتاج حكومة إنقاذية».
ويشير هؤلاء إلى أن «الرئيس الحريري، أراد من خلال قراره الذي ترك انعكاساً إيجابياً في محيطه، أن يُخرج نفسه من هذا البازار السياسي، كي لا يشتم من أي موقف قد يتخذه في الملف الحكومي، أنه يعمل على عدم المساعدة في ولادة الحكومة. ولذلك فليتحمل الفريق الآخر المسؤولية، ويعمل على تأليف حكومة قادرة على الإنقاذ، واستعادة الثقة العربية والدولية بلبنان، لإخراجه من ورطته. مع أن كل المؤشرات لا توحي بوجود نوايا لدى هذا الفريق، للسير بالإصلاحات التي تشكل المعبر الوحيد للحصول على المساعدات التي يحتاجها لبنان. وهذا سيرتب مضاعفات بالغة الخطورة على الوضع الداخلي، في حال استمر العناد والمكابرة، وعدم الاتعاظ من الدروس والعبر التي مر بها لبنان في الفترة الأخيرة. بعدما ظهر بوضوح أن فريق العهد ما زال يتعاطى بموضوع تشكيل الحكومات، بعقلية زبائنية وتحاصصية، على غرار ممارساته في السنوات الماضية، وكأنه لم تحصل انتفاضة شعبية عارمة ستدخل بعد أقل من شهرين في سنتها الثانية، ولم يدمر انفجار المرفأ نصف العاصمة بيروت، موقعاً مئات الشهداء وآلاف الجرحى ومئات آلاف المشردين».
إصرار «حزب الله» على حكومة وحدة وطنية يُفاقم الأمور ويجعلها أكثر صعوبة
وإذ ترى أوساط بارزة في «تيار المستقبل»، أن «الخيارات تضيق أمام رئيس الجمهورية ميشال عون، وبالتالي ليس أمامه إلا المسارعة إلى تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة، والكف عن الاستمرار في مخالفة الدستور»، فإنها تؤكد أن «المطلوب إحداث صدمة حقيقية في تسمية شخصية موثوقة قادرة على تشكيل حكومة قوية وفاعلة، بإمكانها أن تقود لبنان إلى المعافاة. أي أن تكون حكومة حيادية مستقلة، غير سياسية، وإلا فإن لبنان سائر إلى مزيد الانهيار وعلى مختلف الأصعدة، لأن أحداً من الأشقاء والأصدقاء، لن يبادر إلى تقديم مد يد العون، إذا استمر هذا الأداء، وبقيت هذه الطبقة السياسية تتحكم بمفاصل الدولة، وتعيث فساداً وإفساداً في مؤسساتها وأجهزتها». وتشير إلى أن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل والمنظومة السياسية التي يديرها، تتحمل مسؤولية أساسية في وصول البلد إلى ما وصل إليه، من خلال واقع انهيار الدولة الذي غذته الميليشيات المسلحة الذي استفاد منه باسيل وغيره، على حساب البلد والناس».
والسؤال الذي يطرح وسط هذه الصورة القاتمة، هل ما زال الإنقاذ ممكناً؟ تجيب الأوساط بالقول: «الأمر يتوقف على شخصية الرئيس المكلف، ومدى استعداده للتفلت من قيود الفريق الآخر، لناحية تشكيل حكومة مشهود لأعضائها بالكفاءة والمناقبية. لأن هذا هو السبيل الوحيد لفتح باب المساعدات العاجلة التي يحتاجها لبنان في ظل هذه الظروف. وأي شيئ آخر خلاف ذلك مضيعة للوقت وإمعان في الإنكار وتدمير ما تبقى في هذا البلد»، مشددة على أن «الدول العربية والأجنبية، أصبحت مدركة لواقع الحال، وهي تشترط أن يحصل التزام من جانب لبنان بتنفيذ الإصلاحات، حتى يبادر المجتمع الدولي إلى مساعدته، وهذا ما سيسمعه المسؤولون اللبنانيون من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته بيروت في الأول من الشهر المقبل، مع أن الأجواء التي ترافق هذه الزيارة، تعكس استياء فرنسياً واضحاً من أداء السلطة اللبنانية العاجزة عن القيام بما هو مطلوب منها، وسط تحذيرات أطلقها وزير الخارجية جان إيف لودريان، ترسم صورة متشائمة للأوضاع في لبنان» .
وتعرب الأوساط عن اعتقادها، أن «إصرار حزب الله على ما يسمى حكومة وحدة وطنية، لا يشكل مخرجاً للأزمة، بقدر ما سيفاقم الأمور ويجعلها أكثر صعوبة، في ظل ما حالة التردي التي يواجهها لبنان، باعتبار أن حكومة الوحدة، ما كانت يوماً إسماً على مسمى، وبالتالي فإن أي مجازفة باتجاه هذا الخيار في الوضع الراهن، لا يمكن النظر إليه إلا من زاوية الإمساك بالقرار السياسي، بعدما أصبح «حزب الله» في عين العاصفة، وهو يريد هذه الحكومة أداة لتغطيته وحمايته من العقوبات التي يواجهها، ما يعني ازدياد عزلة لبنان عربياً ودولياً، في وقت أحوج ما يكون إلى الدعم العربي والدولي»، مبدية «مخاوف جدية على لبنان إذا استمرت العقلية السائدة، مع ما لذلك من انعكاسات نحو مزيد من التدهور والعنف، في موازاة حصول تطورات إقليمية لن تكون بالتأكيد في مصلحة لبنان» .