… من دائرة الصراع المترامية على «رقعة شطرنج» المنطقة وفي بقعة شرق البحر المتوسط بأبعادها الجيو – سياسية، ومن خلف السابق المحموم على حجْز «مقاعد أفضلية» على نقاطِ تقاطُع المضائق الاستراتيجية وفي خزّان الثروات الطبيعية الكامنة، إلى «ثقب» الواقع اللبناني المترابط مع هذا المدى اللاهب والذي تضيف إليه طبيعةُ تركيبةِ «بلاد الأرز» وأزماتها «الذاتية» أكثر من صاعق تجعلها وكأنها على تخوم الرقص في قلب… الجحيم.
هذه الصورة، بحدّيْها الماكرو والميكرو، كانت حاضرة أمس في بيروت التي تتطلّع إلى «سلالم النجاة» من أزماتها، وما أكثرها، ولكنها لا تجد نفسها إلا أمام «ثعابين النزول» إلى وراء موغِلٍ في القتامة، على وقع إكمال مأزق تأليف الحكومة الجديدة نصاب المتاعب الكبرى التي تشي بفصول أكثر عصْفاً… من الانهيار المالي المُقْبِل على السيناريو الأسوأ مع انطلاق العدّ التنازلي لوقف مصرف لبنان دعم السلع الاستراتيجية (الخبز والمحروقات والدواء)… مروراً بالتداعيات العميقة لـ «بيروتشيما» التي حرّكتْ العالم بعدما «جثتْ» العاصمة «على ركبتيها» أمام جثث أبنائها وأنقاض مبانيها… وصولاً إلى «التتمات» المرتقبة للحكم في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي صدر بحقّ سليم جميل عياش (من حزب الله) والذي تتزايد مؤشرات استئنافه أقله من فريق الادعاء، وليس انتهاءً باستحضار شبح المخاوف الأمنية على أكثر من «جبهة».
وفي هذا الإطار، تقدّم عنوانان أمس، الملف الحكومي الذي سلك «الطريق الوعرة» نحو ولادة قيصرية بعد سحْب زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري اسمه من السباق إلى التكليف، وهي:
* الهبة الساخنة على الحدود الجنوبية مع إسرائيل التي استعادت ليل الثلاثاء – الأربعاء الحوادث الملتبسة في الشرارة التي أفضت إليها، وإن كان الثابث فيها حصول قصف إسرائيلي لقرى حدودية واستهدافٍ بغارات مروحية لمواقع وصفتها تل ابيب بأنها مراكز استطلاع تابعة لـ «حزب الله» في أعقاب ما زعمت أنه إطلاق نار حصل باتجاه قواتها، في مقابل تأكيد الجيش اللبناني «أن مروحيّات تابعة للعدو الإسرائيلي استهدفت مراكز تابعة لجمعية أخضر بلا حدود البيئية عبر إطلاق 3 صواريخ في خراج بلدة راميا، و8 صواريخ في خراج بلدة عيتا الشعب. كما استهدفت مركزاً للجمعية المذكورة في محمية عيترون».
وفيما فوّض المجلس الأعلى للدفاع، وزارة الخارجية تقديم شكوى إلى مجلس الأمن على خلفية «الاعتداء الإسرائيلي المدان»، راوحت القراءات له بين اعتبار أن «حزب الله» يحتاج إلى «دفرسوار» لإزاحة الأنظار عن تصاعُد الاعتراض الداخلي على وضعيّته وزجّه لبنان بنزاعات المنطقة وصولاً إلى محاولة البعض ربْطه بانفجار المرفأ في 4 أغسطس و«الصندوق الأسود» لشحنة نيترات الأمونيوم، وبين الإشارة إلى أن تل أبيب تسعى لإحداث «ربْط نزاع» بالنار مع التمديد المرتقب لـ «اليونيفيل» يوم غد في مجلس الأمن والتي تضغط مع واشنطن لتوسيع تفويض هذه القوة وتعزيز قدراتها لتتمكّن من ضبط تحرّكات الحزب جنوب الليطاني.
وقد توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برد «قوي» في حال حصول هجمات جديدة انطلاقاً من لبنان، وقال: «أنصح حزب الله بعدم اختبار قوة إسرائيل».
* فيروس كورونا المستجد، الذي قفز معه لبنان إلى مصاف الدول التي تضاعف فيها عدد الوفيات الذين يحصدهم الفيروس كل 20 يوماً، وهو كان سجّل الثلاثاء أعلى رقم للوفيات في يوم واحد بلغ 12 (مع 532 إصابة جديدة)، وهو ما استوجب رفْع المجلس الأعلى للدفاع توصية الى مجلس الوزراء بإعادة تمديد حالة التعبئة العامة اعتباراً من تاريخ 31/ 8/ 2020 ولغاية 31/ 12/ 2020 وتشديد الإجراءات الرامية لمحاولة احتواء التفشي «المتوحش».
في موازاة ذلك، تستعدّ بيروت لاستقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء المقبل في زيارة لساعاتٍ يشارك خلالها بالاحتفال المقتضب بمئوية لبنان الكبير، ويفترض أن يتخللها تجديد المسعى لإحداث خرق في جدار الملف الحكومي الذي تواكبه باريس عبر ديبلوماسية الهاتف مع العواصم ذات التأثير في الوضع اللبناني انطلاقاً من المبادرة التي كان ماكرون طرحها إبان محطته في العاصمة غداة انفجار المرفأ والداعية لحكومة إنقاذ تحظى بتوافق حولها وتنفّذ الإصلاحات البنيوية وتطلق مسار التغيير السياسي ويلاقيها المجتمع الدولي بـ«النجدة» لبلاد الأرز.
وبات مؤكداً أن الأيام الفاصلة عن وصول ماكرون لن تحمل تكليف رئيس للحكومة في ظلّ إصرار الرئيس ميشال عون على معادلة «لا تكليف إلا للتأليف» التي بدأت تثير اعتراضات تصاعدية من المكوّن السني، في ظل صعوبة تَصَوُّر كيفية تفكيك المأزق الذي يعبّر عنه إصرار «حزب الله» على حكومة وحدة وطنية «أو ما يشابهها» من دون أن يقطع الأمل بعودة الحريري إلى رئاسة مثل هذه التشكيلة التي يُبدي استعداداً للاكتفاء بتسمية أسماء غير مستفزة فيها، مقابل اعتبار الحريري أنه قال كلمته وانسحب ولا عودة إلى إلى حكومة مستقلين، وإصرار عون على حكومة تكنو – سياسية لن يسير بها الخارج ولا الشارع.