كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
يصل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مساء يوم الاثنين المقبل إلى بيروت في زيارة يفترض أن تستمر حتى يوم الأربعاء تحت عنوان المشاركة في احتفالات مئوية لبنان الكبير. وعلى عكس الأجواء السائدة، لن تكون زيارة الرئيس الفرنسي الثانية في غضون شهر، مجرد محطات فولكلورية تضجّ بالأضواء والذكريات على وطن تتحلّل مؤسساته الدستورية على مرأى من المجتمع الدولي. لا بل ستكون زيارة سياسية بامتياز يفترض أن تدشّن مرحلة انتقالية، أولى خطواتها تسمية رئيس حكومة جديدة.
يحرص رئيس الجمهورية ميشال عون أن يصار إلى تسمية رئيس للحكومة العتيدة قبيل وصول ماكرون إلى بيروت، بعد فصل مسار التكليف عن التأليف. وهذا يعني أنّه خلال الساعات المقبلة سيصدر عن رئاسة الجمهورية مرسوم دعوة النواب للتوجه إلى قصر بعبدا لتسمية رئيس للحكومة. ويفترض أن يكون الموعد، يوم الاثنين المقبل، واذا ما حصل اتفاق بين القوى السياسية قبل هذا الموعد، فقد تصير الاستشارات يوم السبت المقبل. أما من هو رئيس الحكومة العتيدة، فتلك مسألة لا تزال في علم الغيب!
يجزم أحد المواكبين لحركة رئيس الجمهورية أنّ الساعات القليلة المقبلة ستشهد الكثير من المفاجآت التي ستعكس سلوكاً جديداً في قصر بعبدا. يقول هؤلاء إنّ مشهد الجولات السياسية التي قام بها الموفدون الدوليون، ومنهم على سبيل المثال الأميركي، القطري، والمصري، لم تمرّ مرور الكرام على الرئاسة الأولى. أن يستثني الثلاثة لقاء رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، فتلك رسالة بالغة التعبير لا يمكن تجاوزها بسهولة، بمعنى التعاطي معها وكأنها لم تحصل. وقد تكون تلك المشهدية، نقطة تحوّل في سلوك هذا الفريق. قبلها كان باسيل لا يزال يفاوض من منطلق قوة، وتحديداً من خلال ورقة صلاحية رئاسة الجمهورية في تحديد موعد الاستشارات النيابية، ليفرض على أي مرشح لدخول السراي، مناقشة جدول أعمال حكومته وتركيبتها قبل الحصول على موافقة “تكتل لبنان القوي” وأصواته.
راهناً، تبدو الصورة مغايرة جداً. تشي أجواء رئيس الجمهورية أنّ الخيارات باتت ضيقة للغاية. انتفى هامش المناورات. ولا بدّ من رئيس للحكومة بأي ثمن. يتردد أنّ الرئيس عون حسمها: لا مانع لدي من تسمية رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري رئيساً للحكومة في حال قرر العودة إلى السباق. وسأتبنى أي أسم يزكيه الحريري، ليس اقتناعاً بما يريده الأخير وانما احتراماً لرغبة الأكثرية السنية. المهم تكليف رئيس للحكومة يحظى بموافقة كل الأطراف.
لم يتردد وزير الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان عن القول صراحة إنّه “على السلطات اللبنانية تشكيل حكومة جديدة سريعاً لأن الخطر اليوم هو اختفاء الدولة”. هو انذار جديد يؤكد أنّ المجتمع الدولي لن يتهاون مع القوى اللبنانية التي عليها تنفيذ سلّة الاصلاحات بلا أي تردد. وهذه الفرصة الأخيرة.
خلال الأيام القليلة الماضية، جلّ ما فعله باسيل هو السعي إلى قطع الطريق على أي احتمال لعودة الحريري إلى السراي الحكومي، تحت عنوان أنّه غير منتج وتجربة رئاسته للحكومة غير مشجعة. حاول رئيس مجلس النواب نبيه بري كسر جدار الجليد، لكن محاولاته باءت بالفشل، الأمر الذي دفع رئيس “تيار المستقبل” إلى قلب الطاولة رأساً على عقب، عبر رمي كرة النار في ملعب الآخرين على طريقة: إبحثوا عن رئيس حكومة غيري!
تقول مصادر مطلعة على موقف “تكتل لبنان القوي” إنّ الساعات الأخيرة شهدت اتصالات مكثفة بحثاً عن تفاهم سياسي بين المتخاصمين والمتفاهمين، لتكليف شخصية سنية تتولى رئاسة الحكومة مطلع الأسبوع المقبل على أبعد تقدير. ولكن حتى اللحظة لم تتوصل هذه المشاورات إلى أي نتيجة مرضية قد تساهم في تسمية رئيس حكومة مرضي عنه من مختلف الأطراف. تضيف المعلومات أنّ مسؤولين فرنسيين يتواصلون مع القوى اللبنانية لدفعهم إلى التفاهم على اسم لخلافة حسان دياب، سواء كان الحريري أو سواه. المهم الانتهاء من التكليف قبل يوم الاثنين.
ولهذا تقول المصادر إنّ السيناريوات المحتملة أمام “تكتل لبنان القوي” هي كالتالي:
– نجاح المساعي التقريبية بين الحريري وباسيل ليسير الأخير بتسوية تسمية الأول رئيساً للحكومة وهو احتمال وارد، لكنه لم ينجح إلى الآن، مع العلم أنّه خيار يشجع عليه الثنائي الشيعي ويفضله على غيره من الخيارات المتاحة.
– أن يسمي الحريري من ينوب عنه في رئاسة الحكومة ويلقى قبول بقية الأطراف وتحديداً “التيار الوطني الحر”. وهو خيار غير متوفر حتى اللحظة كون الحريري يرفض تزكية أي اسم.
– أن تجري الاستشارات النيابية الملزمة ولكن من دون أي اتفاق مسبق، على أن تترك اللعبة لقاعدة الأصوات حتى لو أتت بالحريري رئيساً للحكومة من دون موافقة “التيار الوطني الحر”. هنا تؤكد المعلومات أنّ “تكتل لبنان القوي” لم يحسم خياراته بعد، وفي حال كان سيناريو عدم الاتفاق المسبق، هو الذي سيحكم عملية التكليف، فقد يصار إلى التصويت عبر ورقة بيضاء، لترحيل التفاوض إلى مرحلة التأليف.