كتبت غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”:
منذ كان وزيراً للداخلية، ثم نائباً، وقبلهما مستشاراً لرئيس الحكومة رفيق الحريري، كان حضور نهاد المشنوق إشكالياً… وهو يزداد إشكاليةً اليوم بفعل مواقفه، التي يعلنها أحياناً من دار الفتوى، ليمنحها غطاء طائفياً، أو من مجلس النواب، إذا أراد عدم إحراج المفتي، أو من مكتبه في سبيرز، حين يريد التوجّه إلى أهالي بيروت، كما فعل بعد تفجير مرفأ العاصمة.
لم يعد المشنوق يحاذر في مواقفه أو يساير، لاعتبارات سياسية، مصوّباً سهامه على “حزب الله” و”التيار الوطني” والرئيس ميشال عون، وشاكياً من وقوع لبنان تحت “الاحتلال الايراني”. أحد عرّابي التسوية الرئاسية، والوزير الذي جمعته طاولة مجلس الوزراء مع “حزب الله”، يقول من يلتقونه إنّه بات يعلن ندمه على خوض التسوية. ويردّد أخيراً مقولة: “في الأزمات الكبرى لا يمكن أن تكون مواقفنا عادية”. وهو الذي لطالما كرّر السؤال: ما نفع الاعتدال إذا لم يحفظ الكرامات، وما قيمة التسوية إذا لم تضمن الحقوق؟
هو نادم على مشاركته في التسوية، بسبب سوء إدارتها التي تحدّث عنها مراراً، ويعترف بأنّه يتحمّل حصّته من المسؤولية عنها. كان يتمنّى لو أنّ النتيجة مختلفة، عمّا وصلت اليه. لكن من بين نتائجها “سيرك المشاورات” حول تسمية رئيس للحكومة. “سيرك” ينقل عنه قوله إنّه بات يلغي أهل السنّة أكثر مما يتيح الاتفاق على اسم لرئاسة الوزراء.
من هذه الزاوية يتمنّى المشنوق لو أنّ الحريري يقارب الأمور، فلا يتجنّب في اعتذاره عن التكليف تسمية رئيس الجمهورية ميشال عون و”حزب الله”. ولو أنّه ركز مواجهته على “التيار الوطني الحرّ”. يتعاطى الحريري بـ”نبل سياسيّ” وسط غابة من الوحوش السياسية المفترسة.
قد لا يكون مثل هذا التدرّج في الخطاب خطأً بالنظر إلى طبيعة التفاهمات بعد تشكيل الحكومة، ولكنه ليس مبرّراً. في حين يرى آخرون أنّ كلامه من دار الفتوى سهّل اعتذار الحريري، بينما هو يبرّر مطالبته بانعقاد اجتماع موسّع لرموز الطائفة السنية في دار الإفتاء، بهدف وضع حدّ للطريقة التي ينتهجها البعض في اختيار رئيس الحكومة وشكل الحكومة. ذلك أنّ حصر بحث الرئاسة الثالثة بالثنائي الشيعي و”التيار الوطني الحر” والتأجيل العشوائي للاستشارات النيابية “ما زابط” وفيه “إلغاء للدستور والسنّة”.
بحسب قريبين منه، يستغرب المشنوق طلب رئيس الجمهورية مقابلة رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط للتباحث معه في حين أن المشكلة داخل “التيار الوطني الحر”، وهو بات يشخّص المشكلة في وجود فراغ دستوري وسياسي في موقعي الرئاسة الأولى والرئاسة الثالثة.
حتّى أنّ الدور الإيجابي الذي يحاول الرئيس نبيه برّي أن يلعبه، لا يمكن أن يستمرّ، كما ينقل عن المشنوق، لأسباب موضوعية، كونه لا يستطيع أن يسدّ كل الفراغات أو أن يصرف نصف وقته على محاولات عقلنة جبران باسيل والنصف الآخر على محاولات إقناع سعد الحريري. لذا يرى أنّ الحلّ لا يكون إلا في تقصير ولاية رئيس الجمهورية لاستعادة النظام الدستوري، وفي انتخابات نيابية مبكرة، كما دعا مراراً. وقد لاقاه البطريرك بشارة الراعي الذي طرح البحث عن قانون انتخابات جديد، مخالفاً، للمرة الأولى، رأي القوّتين المسيحيتين الأساسيتين في موضوع قانون الانتخاب. وذلك بعدما تطوّر موقف “القوات” إلى حدّ مطالبة عون بالاستقالة على لسان بيار أبي عاصي، الذي وصفه بـ”غول الموت”.
لا يغيب عن المشنوق الإشارة إلى فراغ لا تملؤه “القوى السيادية”، ولا سيما “القوات اللبنانية” و”تيار المستقبل” و”الحزب الإشتراكي”، التي يبرّر كل منها تمهله وانسحابه. وبرأي المشنوق فإنّها يجب أن تكون قد تعلمت شيئاً من تجربة حكومة حسان دياب، وهي ضرورة تسمية مرشّح محدّد، حتّى لو لم يتكلّف.
في كلمة المشنوق الأخيرة، دعا الحريري والقوى السيادية إلى تسمية نوّاف سلام، “أقلّه من باب تسجيل الموقف”، ولو كان مؤكداً أن حظوظ الأخير لن تخوّله التكليف “لكنّه سيحظى بعدد من الأصوات ستجعل المرشح الآخر مقابله فاقداً للميثاقية”.
هو الذي بات مقتنعاً، في خطابيه الأخيرين، أنّ سبب الحصار على لبنان هو احتلال قراره السياسي من قبل إيران، وأنّ صناديق الدعم العربي لن تفتح لأيّ حكومة يشارك فيها “حزب الله” مباشرةً أو مواربةً، مهما حاول الرئيس الفرنسي الذي يبذل جهداً مشكوراً في كلّ ما يفعله. يعتبر المشنوق أنّ تحرير لبنان من الاحتلال السياسي الإيراني هو الأولوية، ومن هناك يبدأ طرف خيط الحلّ.