كتب منير الربيع في “المدن”:
من مُنطلق التعرّف عن كثب على الموقف الأميركي من تطورات لبنان وتوضيح سياستها تجاه بيروت، أجرت “المدن” لقاء وحواراً مع سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان، دوروثي شيا. ومن الواضح أنه رغم لغتها الدبلوماسية، فالصرامة السياسية التي تنتهجها الإدارة الأميركية مستمرة بإصرار وثبات في كل الملفات اللبنانية، وخصوصاً تجاه حزب الله وحلفائه في السلطة.
ومن الواضح أيضاً أن النهج الأميركي متباين مع الأسلوب الفرنسي. كما أن “المطالب” الأميركية ما زالت هي نفسها، إن في الإصلاح الاقتصادي والسياسي، أو في ما يتعلق بالحدود.
أجوبة السفيرة الأميركية، المغلفة بالكياسة، تدل على تشدد مستمر في طريقة التعامل مع الواقع اللبناني. وهنا نص الحوار:
– ماذا خلف زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد هيل الأخيرة إلى لبنان واللقاءات التي أجراها؟
– كان لمساعد وزير الخارجية الأميركية عدة أهداف لزيارته بيروت. أراد أن يقدم في أعقاب الانفجار المروع الذي وقع في 4 آب، تعازي الشعب الأميركي شخصياً، ومراقبة آثار الكارثة، ومناقشة مجموعة من المحاورين حول سبل المضي قدماً في لبنان. وإضافةً إلى لقائه عدد من القادة الحكوميين والسياسيين، التقى مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل بأشخاص من خارج الحكومة، مثل نشطاء المجتمع المدني والطلاب ومتطوعي المنظمات غير الحكومية على الأرض.
أودُ أيضاً أن أضيف أن مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل استفاد من هذه الزيارة لتسليط الضوء على الطرق العديدة التي تقف بها الولايات المتحدة إلى جانب شعب لبنان بعد مأساة 4 آب الرهيبة. ويمكنني أن أقول لكم بأنني قمت معه بجعل أولوياتنا تتمحور حول تحديد الوسائل الفورية لمد اللبنانيين بالمساعدات الإنسانية العاجلة والطارئة.
بعد أيامٍ من وقوع الانفجار في مرفأ بيروت، كنتُ في المطار لاستقبال خمس طائرات نقل قادمة من طراز C-17 و C-130، والتي حملت معها إمدادات طارئة كالغذاء والماء والإمدادات الأساسية والضرورية للمستشفيات. وقد رحبت بأطقم الطائرات الخمس وشرحت لهم أهمية ما يقومون به. وشكرتهم على مساعدتهم في إيصال مساعدات مهمة مباشرة إلى أيدي المتضررين من الكارثة. لا أستطيع أن أخبركم كم شعرت بغبطةٍ وأنا أرى عشرات وعشرات من المنصات النقالة تنطلق من تلك الطائرات، مع علمي أنها ستصل إلى الضحايا من خلال شركائنا الأكثر ثقة.
حتى الآن، خصصت الولايات المتحدة أكثر من 18.1 مليون دولار من المساعدات للبنان. وأشار مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل إلى نيتنا تقديم الدعم الإضافي المطلوب بشكل عاجل من خلال برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة للسماح باستمرار توفر القمح والحبوب الأخرى، على الرغم من الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية في المرفأ. وأودُ أن ألفت أيضاً، أنه بينما تقف الولايات المتحدة إلى جانب الشعب اللبناني في تقديم المساعدة الإنسانية الضرورية خلال الوقت الحرج هذا، يجب أن نلفت بأن هذه الاستجابة الإنسانية الفورية لا تلغي الحاجة إلى قيام قادة لبنان بسن الإصلاحات الضرورية التي ستضع البلد على مسار أكثر استدامة. وأن عليهم استعادة ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي وتسهيل الاستثمار والمساعدات الدولية طويلة المدى.
التباينات الفرنسية – الأميركية
– هل هناك تشابه في وجهتيّ النظر الأميركية والفرنسية حيال لبنان، أم أن هناك خلافاً حول رؤية الحل؟ خصوصاً وأن الفرنسيين تجمعهم علاقات بحزب الله ولا يمانعون مشاركته في الحكومة؟
– نجتمع بانتظام مع شركاء دوليين يشاركوننا رغبتنا في رؤية لبنان وشعبه يسيرون نحو الازدهار. وبهذا الصدد، بقينا على وجه الخصوص على اتصال وثيق مع نظرائنا الفرنسيين. المقترح الفرنسي يخص الفرنسيين وحدهم؛ لقد ركزت الولايات المتحدة، من جانبها، على الضرورة الملحة لتشكيل حكومة جديدة يكون لديها النية والقدرة على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها، للمساعدة في إعادة الاقتصاد اللبناني المنهار، ليرتكز على قاعدة صلبة. كما نتعاون مع المجتمع الدولي من خلال مجموعة الدعم الدولية للبنان.
عند الحديث عن العلاقات الثنائية للولايات المتحدة مع لبنان، أشير بأننا كنا شريكاً ملتزماً منذ عقود مديدة، نعمل جنباً إلى جنبٍ مع اللبنانيين في قضايا التعليم، والمساعدة الإنسانية، وتعزيز أمن لبنان واستقراره وسيادته. وعندما نناقش موضوع حزب الله، يظل موقف الولايات المتحدة واضحاً. لقد أوضحه كبار قادتنا في وزارة الخارجية والبيت الأبيض ورددته أنا شخصياً غير مرةٍ وفحواه: أنشطة حزب الله الإرهابية وغير المشروعة في لبنان تظهر أنه يهتم بمصالحه أكثر مما هو الأفضل للبنان والشعب اللبناني.
– تحدث الرئيس الفرنسي عن تغيير في النظام اللبناني. هل تعتقدون أن الظروف الإقليمية والدولية تسمح للبنانيين بالذهاب إلى نظام جديد وتغيير النظام الطائفي؟
– أعتقد أن على اللبنانيين تحديد الإجابة على هذا السؤال. في زيارته الأخيرة، تحدث مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل عن الحاجة الملحة لقادة لبنان المنتخبين إلى وضع المخاوف والمصالح الحزبية جانباً والعمل من منطلق المصلحة الوطنية. إن التركيز على ما هو أفضل لمستقبل لبنان، واتباع السبل الفضلى للتصدي للفساد المنهجي وسوء الإدارة، هو المفتاح لمستقبل مشرق لهذا البلد وشعبه. لذا فإن لبنان وحسب هو من يقرر صيغة النجاح، وليس الفاعلين أو المؤثرين الخارجيين.
– ما حقيقة التسريبات حول العقوبات المرتقبة ضد مسؤولين لبنانيين بما فيهم جبران باسيل؟
– لن أتطرق إلى الشائعات المنتشرة، لكن يمكنني التركيز على حقائق سياسة العقوبات الخاصة بنا. تم تصميم حملة “الضغط الأقصى” للإدارة الأميركية ليس بهدف وقف تدفق الأموال إلى “القوات الخبيثة” وحسب، بما في ذلك إيران، ولكن أيضاً لتغيير سلوك الجهات الخبيثة وحلفائها. في الوقت نفسه، أودُ التأكيد على أن العقوبات لا تهدف إلى الإضرار بالمواطنين باللبنانيين العاديين. فعقوباتنا لا تضعف لبنان ولا اقتصاده، وأذكر هنا أن الأزمة الاقتصادية في البلاد هي نتيجة عقود من الفساد وسوء الإدارة.
– ما هي النصيحة التي تقدمينها إلى الرئيس عون والسلطات اللبنانية كمجالات وأفكار تعالج مواضيع أساسية تتعلق بالإصلاح للخروج من الأزمة؟
– أريد هنا أن أؤكد مجدداً على تعليقاتي وتعليقات مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل أثناء زيارته الأخيرة إلى لبنان بأن الإصلاحات هي قرار ومسؤولية الشعب اللبناني وحكومته. ليس للولايات المتحدة أو أي شريك دولي آخر أن يملي أو يقود هذه الإصلاحات. أستطيع أن أقول إننا، مثل الشعب اللبناني، يرتكز رأينا بأن الفساد وسوء الإدارة في عدة قطاعات – مثل الجمارك والمرفأ والاتصالات والكهرباء – كان لهما آثار سلبية خطيرة على الاقتصاد. ويمكن اعتبار الانفجار المروع في المرفأ كنتيجة، في بعض النواحي، للفساد وسوء الإدارة. نواصل تشجيع القادة اللبنانيين في نهاية المطاف على الاستماع إلى مطالب شعبهم والاستجابة لها. ومن الضروري أن تعمل جميع أجهزة الحكومة وإداراتها على سن وتنفيذ الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها، والتي يمكن أن تعيد الاقتصاد إلى المسار الصحيح.
– كانت الولايات المتحدة وسيطاً في مفاوضات ترسيم الحدود الجنوبية في لبنان. كيف يمكن حل ترسيم الحدود؟ وهل اليونيفيل مرتبطة بهذه القضية؟
– لا بد لي أن أقول بأن فرصة لبنان لإحراز تقدم في مسألة ترسيم الحدود ستمثل بشرى سارة لهذا البلد والمنطقة. من المؤكد أن الولايات المتحدة مستعدة للمساعدة في المناقشات، ولكن في النهاية، الأمر متروك للأطراف المتنازعة لتحديد متى يكونون مستعدين للمضي قدماً في مسألة الترسيم.
أما بخصوص اليونيفيل، فهي لديها دورٌ مهم تلعبه في أمن الحدود. لقد رأيتُ بنفسي قيمة العمل الذي يقومون به، وصعوبة البيئة التشغيلية التي يعملون بها. ولكن نظراً للعديد من التحديات التي تواجهها اليونيفيل بينما تسعى إلى تنفيذ المهمات المنصوصة في ولايتها، فيمكنني أن أقول أنها ليست فعالة أو بدرجةً أقل ليست فعالة كما ينبغي. ولهذا السبب، دارت مناقشات في الأمم المتحدة حول تجديد ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. وكان موقف الولايات المتحدة واضحاً كالآتي: يجب السماح لليونيفيل بإنجاز مهمتها، وإن لم تستطع القيام بهذا الأمر، فيجب عندها الإبلاغ عن ذلك، ويجب علينا تحديد حجم مواردها وعملياتها وفقاً لهذه المعطيات.