كتب عمّار نعمة في “اللواء”:
تسابق المساعي على الخط الحكومي الزمن قبل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان الثلاثاء، للخروج بإسم رئيس الحكومة خلال الاستشارات النيابية التي دعا إليها رئيس الجمهورية ميشال عون إبتداء من الإثنين والتي ما كانت لتتم لولا الضغط الفرنسي.
ولم تأتِ الأحداث الأمنية المتنقلة إنطلاقا من منطقة خلدة بعد تراكمها لأيام، سوى لتزيد من عمق التوتر القائم الذي يتغذى من الفراغ الحكومي والوضع الاقتصادي الكارثي.
يحاول المسؤولون اللبنانيون خرق جدار الجمود الحاصل، لكن لا يبدو أن ثمة تشكيل للحكومة قريبا، وبعض متابعي تفاصيل المفاوضات القائمة يرى أن الصعوبات القائمة بين الأفرقاء السياسيين تعد شاملة لمضامين الخلافات كما التفاصيل ولا سبيل لحلها حتى الساعة برغم قدوم الضيف الفرنسي لتشكيله اداة ضغط على هذا الصعيد.
بالنسبة الى فريق العهد و«التيار الوطني الحر» وفريق الثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل»، فهما ما يزالان يتمسكان بزعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري رئيسا للحكومة، ولا يعيران كثيرا إعتكافه عن الرئاسة أهمية قصوى، كون الظرف يتطلب وجوده أو من ينوب عنه في مرحلة بالغة الدقة سياسيا معطوفة على الوضع الأمني الذي قد يتفلت بلحظة ما ليلُف بخطورته مناطق لبنانية مختلفة.
لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة الى الفريق الآخر. ذلك أن الحاضنة السعودية لحكومة سياسية غير متوفر، وهذا يعني أن على من يشكل الحكومة، وهو سيكون على وفاق مع الحريرية، أن يوفر حكومة «غير سياسية» من الأقطاب المعروفين في البلاد، لكن طبعا ليس على غرار حكومة الرئيس حسان دايب.
من هو الفدائي؟
يشير متابعون للمفاوضات الحكومية من هذا الفريق، الى رفض كبير في الاجواء للتعامل مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل كما مع العهد، وليس هناك من فدائي حتى اللحظة سيقبل بهذه المهمة بعد أن اعلن الرئيس تمام سلام رفضه الشديد لها بعد الرفض الذي أدلى به الحريري قبله.
يقدم هذا الفريق مخرجاً للأزمة القائمة عبر طرح تشكيل الحكومة غير السياسية يقوم الرئيس الذي تختاره الاستشارات النيابية بتأليفها. أي بمعنى آخر، ستكون حكومة من غير «التيار الحر» و«حزب الله»، وهو طرح قريب من الذي أراده الحريري خلال مفاوضات كانون الاول الماضي قبل فشله في مسعاه. واليوم يتجدد هذا الطرح مع فارق عدم تمكن الحريري من العودة سواء لصعوبة تحقيق هذا الامر من قبل فريق العهد والثنائي الشيعي، أو بسبب المتغيرات التي طرأت على البلاد بعد 17 تشرين التي رفضت الحريري من ضمن جميع من رفضتهم من فريق الحكم والسلطة موالين ومعارضين.
يؤكد كثيرون أن العهد و«حزب الله» و«أمل» لن يقبلوا بهذا الطرح الأخير، لا بل البعض يرى أن أي طرح من قبل الحريري سيقابل بالرفض من العهد تحديدا بعد أن تحول الخلاف السياسي العميق بين الحريري وباسيل الى كباش شخصي.
وفي ظل وضع شائك كهذا، تبدو الأمور مرشحة الى إستمرار الكباش حول عودة الحريري من قبل الثنائي، أو طرح أسماء أخرى من قبل العهد و«التيار الحر» سيقابلها الفريق الآخر بالرفض. وهذا الأمر قد يؤدي الى تسوية مرحلية يرضى عنها الجميع مؤداها تسمية شخصية غير إستفزازية لرئاسة الحكومة الإثنين المقبل، ما سيؤدي الى إرضاء ماكرون، من دون أن تتمكن هذه الشخصية من تشكيل الحكومة، الأمر الذي لن يظهر سوى بعد فترة من الزمن قد تطول.
في ظل حوار الطرشان هذا، وبعد أحداث خلدة والمناطق المرشحة للإندلاع من جديد في أية لحظة، قد يُفتح مصير البلاد أمام سيناريوهات متعددة تتقاطع حول إهتزاز الأمن الى حد هشاشته ما قد يفتح الباب أمام احداث، قد لا تكون سياسية – أمنية بالضرورة، بل قد تأتي نتاج حالة الفقر والجوع والمأساة الاجتماعية القائمة وتتمظهر عبر أحداث سرقات وإجرام متنقلة بين المناطق نتيجة فقدان هيبة الدولة.
لناحية الرئيس الفرنسي، فهو سيحاول الخروج بزيارته راعيا لحل ما تسوَويّ، عبر تسمية رئيس للحكومة ووضع بصماته على خطة إقتصادية يرى أنها ستضع اللبنات الاولى لخروج البلاد من مستنقعها المظلم.
وقد إستبق ماكرون مساعيه اللبنانية بتعديل بلاده للتشدد الأميركي على صعيد التجديد لقوات «اليونيفيل» في الجنوب. وقد تمكنت باريس من ضمان التجديد لتلك القوات التي تحتفظ وإيطاليا بحصة الأسد فيها، لمدة سنة كاملة وليس لستة أشهر كما أرادت الولايات المتحدة الاميركية. كما تمكنت باريس من ضمان عدم تخفيض عديد تلك القوات لأكثر من ألفي جندي، علما أن الحد الاقصى لعديدها يجب أن لا يتجاوز 15 ألف جندي، بعد أن حاولت واشنطن إختصار عديد تلك القوات الى أقل من عشرة آلاف جندي وهددت بمنع أي قرار مغاير لذلك. مع العلم أن التعديلات الفرنسية جاءت في مقابل طرح لباريس للسماح بالوصول الفوري الى مناطق التوترات التي يشرف القرار 1701 عليها، مع التشديد على التنسيق مع القوات الرسمية اللبنانية.
في كل الأحوال، قد يخرج ماكرون بنصف إنتصار في جولته، وقد يتمكن من تدشين عصر غربي جديد مع لبنان.. لكن تحت الإشراف الأميركي.