استبق الرئيس ميشال عون وصول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مساء الاثنين المقبل بالدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة صباح اليوم ذاته لتسمية من يكلف بتشكيل الحكومة الجديدة.
بدوره، فاجأ الرئيس ماكرون المدعوين إلى الاحتفال بمئوية «لبنان الكبير» بسحب هذا الاحتفال من برنامج زيارته الثانية الى بيروت، في خطوة أضافت المزيد من الغموض على واقع لبنان، بعد تحذير وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان من «اختفاء» لبنان.
التبرير المطروح هو الحرص على التباعد الاجتماعي تحسبا من وباء «كورونا»، أما التحليل السياسي فيرجح ان يكون الرئيس الفرنسي رأى أنه لا داعي للاحتفال بمناسبة مع من لم يظهروا التقدير والاحترام لها بالشكل والجوهر.
في المقابل، وصلت إلى بيروت الورقة الإصلاحية الفرنسية بخطوطها السياسية والاقتصادية، مقرونة بالتحذير من محاذير عدم التجاوب مع موقف الرئيس الفرنسي خلال مباحثاته في بيروت.
على أن هدية ماكرون للبنان ستكون نجاح فرنسا في تمرير مشروع قرار التمديد للقوات الدولية في جنوب لبنان (اليونيفيل) لمدة سنة، وبخفض مقبول لعديد هذه القوات (من 15 إلى 12 ألفا) وبما لا يتجاهل المطالب الأميركية.
وخلال زيارته، سيدعو الرئيس الفرنسي اللبنانيين الى تشكيل حكومة مهمتها إجراء الإصلاحات الضرورية، وأن تكون قادرة على حيازة ثقة المجتمع الدولي.
وتحدثت مصادر عين التينة عن اتفاق تم بين الرئيس عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري على إجراء الاستشارات وتكليف من يسميه النواب اللبنانيون، قبل هبوط طائرة ماكرون مساء الاثنين في مطار رفيق الحريري الدولي.
وفي معلومات لـ «الأنباء» ان الأحداث التي شهدتها منطقة خلدة، جنوب بيروت ليلة الجمعة، بين سرايا حزب الله وعشائر عرب خلدة، ساهمت، الى جانب زيارة ماكرون، في إقلاع الرئيس عون عن معادلة التأليف قبل التكليف التي كان يتمسك بها رغم مغايرتها للدستور، ورغم عدم وجود مرشح واضح للحكومة.
بيد أن المصادر المتابعة عادت تتحدث عن رغبة حزب الله في البقاء داخل الحكومة خلافا لرغبات الآخرين، كي يتسنى له المساهمة في إطفاء الحرائق الأمنية المحتملة كما فعل إزاء حريق خلدة بين السرايا التابعة له وجماعة من عشائر خلدة، الذين شيعوا ضحيتيهم ظهر امس على إيقاع الرصاص في الهواء، وسط حشود أتت من البقاع والشمال تضامنا مع أهل الضحيتين، وأحدهما الفتى حسن عمر غصن، نجل شيخ عشيرة آل غصن، التي طالبت بثأر العدالة وإلا سيكون الثأر العشائري مباحا، مع العلم ان حزب الله نفى علاقته بأحداث خلدة التي أسفرت أيضا عن جرحى وحرائق طالت المباني والسيارات.
وقد ناشد كرم الظاهر، رئيس ديوان شورى العشائر في لبنان الجيش التدخل حفاظا على السلم الأهلي، واعتبر ديوان العشائر ان خلدة هي عاصمة العشائر في لبنان وليست سهلا مباحا.
وغرد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قائلا: طريق الجنوب وأمن المواطنين في خلدة والجوار فوق أي اعتبار، وممنوع على أي جهة حزبية أو مذهبية أو سياسية العبث بالطريق وبالمنطقة التي هي للجميع.
وتابع: «لذا، لا يحق لأي جهة سياسية الاعتراض المسبق علي أي تسمية، وكفى التهرب من الإصلاح ابتداء من قطاع الكهرباء وخفاياه المتشعبة. أما الانتخابات وفق القانون الحالي فلا قيمة لها كونها تجدد لنفس الطبقة الحاكمة. هذه نصيحة كون الإصلاح للبنان مثل المياه للسمك، إذا غابت مات السمك ومات لبنان».
وتلقى رئيس الحزب الديموقراطي طلال أرسلان ـ الذي تقع خلدة في نطاق نفوذه ـ اتصالين من وليد جنبلاط ومن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بحثا معه تداعيات ما حصل في خلدة.
وبالعودة إلى المسار الحكومي، تشير معلومات لـ «الأنباء» إلى أن رؤساء الحكومة السابقين سعد الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام اتفقوا فيما بينهم على البقاء بعيدين عن حكومة آخر الولاية، تبعا لتعذر التفاهم مع فريق الحكم على طبيعة الحكومة العنيدة وانتماءات أعضائها، وتحديدا حكومة بلا جبران باسيل ولا حزب الله.
كما تم التفاهم على عدم ترشيح الرئيس سعد الحريري أي شخصية تحظى بدعم تيار «المستقبل»، ومن هنا كان إعلان تمام سلام أنه ليس بوارد قبول التكليف، إن حصل، ومثله نائب طرابلس عضو كتلة المستقبل سمير الجسر، ولا أحد سواهما.
والتقى الحريري أمس النائب علي حسن خليل موفدا من الرئيس نبيه بري، ثم اجتمع رؤساء الحكومة الأربعة في 6 مساء ببيت الوسط لدراسة الخطوات الأخيرة المفترض اعتمادها حيال استشارات يوم الاثنين المقبل.
وضمن الطروحات المقررة، وفق مصادر «الأنباء»، أن يتغيب الحريري وميقاتي وسلام عن المشاركة في الاستشارات فيما تشارك كتلتاهما النيابية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا لو تجاهل تكتل لبنان القوي وحزب الله وحركة أمل صدود سعد الحريري وأصروا على تسميته كمكلف بتشكيل الحكومة؟ هل سيرفض رغم مراعاة ما أسموه بعض شروطه؟ وهل سيرفض ضغوط صديقه ماكرون إذا ألح عليه بالقبول وتشكيل الحكومة القادرة على إنقاذ الوضع متجاهلا «الڤيتوات» العربية والأميركية؟ جوابه يعرف بعد الساعة الواحدة من ظهر الاثنين المقبل، حيث موعد انتهاء جلسة الاستشارات في بعبدا، ليعلن رئيس الجمهورية اسم الرئيس المكلف.
وربما هي المرة الأولى التي يحدد فيها رئيس الجمهورية موعدا للاستشارات من دون أن تكون هناك أسماء مرشحة جاهزة لرئاسة الحكومة، علما أنه ليس بالاستشارات وحدها تشكل الحكومة، حسب وكالة «الأنباء المركزية».