Site icon IMLebanon

سياسيون تزوجوا “على كبر”…

كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:

أن تكون رجل سياسة عازباً في لبنان فهذا يعني أن تكون العيون كلها موجهة إليك، وان تحلم النساء بنظرة من عينيك تدخلهن نعيم الأضواء وتسكنهن جنة الحياة العامة. وعمر العازب كعمر “الشقي بقي” ولا يشكل عقبة تذكر عند من ينتظرن النصيب، شاباً، كهلاً أو عجوزاً. السياسي العازب عريس مرغوب فيه وخبر زواجه خبطة ينتظر تفاصيلها المتابعون بحشرية، تتحول دهشة أو تنمّراً إذا كان العريس قد تخطى السن “القانونية” للزواج، أو كان فارق السن بينه وبين العروس الموعودة كبيراً. كثر من سياسيي القرن الماضي بقوا تحت نصيبهم. بعضهم تمسك بعزوبيته الدهرية وبعضهم خضع لامتحان استلحاق متأخر للترفع من وضعية عازب الى متزوج.

كان يكفي أن تظهر عبارة Got Married على صفحته على فايسبوك حتى تضج بيروت بأكملها بخبر مفرح طال شخصية سياسية محبوبة عُرفت كأحد أركان إدارة الرئيس فؤاد شهاب. إنه الوزير الأسبق شارل رزق الذي ما إن أعلن عبر صفحته الخاصة على فايسبوك عن تبديل وضعه الاجتماعي وتحويله الى متزوج، حتى تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي الخبر بكثير من الدهشة والاستغراب. فالعريس في الـ 85 من عمره وبخطوته هذه يكون قد انضم الى اللائحة المقفلة لمجموعة السياسيين العازبين الذين خرجوا “على كبر” من دائرة العزوبية…

من ” نداء الوطن” اردنا أن نهنئ الوزيرعلى خطوته المفاجئة هذه ونتمنى له كل السعادة في زواجه الميمون. لكن ضحكته الرنانة سبقت الـ”مبروك” ولم تترك لها مجال الاستفاضة بالتهاني. “إذا كان الهدف تهنئتي بالزواج فقد تأخرتم إثنين وخمسين عاماً”، قالها ضاحكاً. وأخبرنا قصة زيجته الافتراضية على فايسبوك التي ما إن انكشفت حتى انهالت عليه اتصالات التهنئة كما انهال التسونامي على اليابان، بحسب قوله، بحيث اضطر الى إقفال هاتفه لوضع حد لهذا الفيض من مشاعر المودة التي غمره بها الأقربون والأبعدون. أما قصة زواجه الغريبة فتعود الى أنه حين كان يتصفح تفاصيل بروفايله وجد نفسه مسجلاً كعازب، فأراد تصحيح معلومات الفايسبوك ونقل الـ Status من عازب الى متزوج وظنها حركة “تصحيحية” أوتوماتيكية. لكن سرعان ما تصدّر الستايتس الجديد الصفحة وبدا وكأنه تزوج اليوم. وهنا انطلقت كرة الثلج وانهمرت اتصالات التهنئة في حين ان تاريخ زواجه الحقيقي يعود الى العام 1968، وقد احتفل وزوجته منذ سنتين بالضبط باليوبيل الذهبي لزواجهما بمشاركة ابنتيهما… لكن قصة زواجه الافتراضي فتحت عينيه على امور كثيرة، فقد تبيّن له من خلالها ان له معجبات صامتات بدت مباركتهن للزواج كعتاب أكثر مما هي مبروك…

الاختيار الصعب بين الزواج و”الكرسي”

في أرشيف السياسية اللبنانية حكايات عن عازبين معروفين تخلوا عن عزوبيتهم في سن متقدمة، في حين أن بعضهم رفض التخلي عن اللقب وظل محتفظاً به حتى مماته. رؤساء جمهورية ووزارة لم يجدوا نصفهم الآخر فتزوجوا “الكرسي” وحرمهم حبهم للسياسة من اي حب آخر، فيما آخرون وجدوا في المرأة رفيقة درب أكثر وفاء من منصب متقلب غدّار قد يكون يوماً معهم ويوماً عليهم. أيوب ثابت، بترو طراد، رشيد كرامي، ريمون إده، حبيب ابو شهلا، إلياس سركيس، ألبير مخبير وميشال ساسين، اسماء تتصدر لائحة أشهر عازبي الزمن الجميل الذي كان يمكن أن يغتني بأسماء أخرى لو لم يسارع هؤلاء للحاق متأخرين بقطارالزواج بعد ان فاتتهم محطاته الأولى.

كان ميشال ساسين العازب الأرثوذكسي الأشهر في بيروت والأشرفية تحديداً، وكان زميله نصري المعلوف الكاثوليكي الملكي عازباً لا يقل عنه شهرة، وكان الاثنان يتنافسان على قلوب حسناوات ذلك الزمن. ميشال ساسين المولود في العام 1927 رافق كل العهود منذ انتخابه نائباً للمرة الأولى، إلا عهد الزواج، الذي ابى ان ينضم إلى لائحته فبقي خارج قيده حتى وفاته عن عمر ناهز 87 عاماً، بقي فيها محط انظار الجميلات الطامحات اللواتي اعجبن على مدى عقود بأناقته المميزة والزهرة الشهيرة التي كان يزين عروة سترته بها.

اما منافسه العازب الآخر، نصري المعلوف فله مع الحب والزواج حكاية مختلفة يجهل تفاصيلها الكثيرون. فالمعلوف المولود في العام 1911 يبدو أنه أغرم في بداية شبابه بصبية جميلة شاءت ظروفه وظروفها ألا يتم النصيب بينهما وذهب كل منهما في سبيله. لكن المعلوف لم ينس حبه الأول ولم يشأ أن يدنس ذكراه وفضّل البقاء عازباً يخفي خلف جدران عزوبيته السميكة قلباً مغرماً يحن الى الحبيب الأول. ودارت الأيام وتبدلت الظروف والتقى نصري المعلوف، بعد ما يقارب الأربعين عاماً حبه الأول، وقد صارت صاحبته وحيدة في أواخر العمر، اجتمعا من جديد لتكتب لقصة حبهما نهاية سعيدة محت عن سجل نصري المعلوف كلمة عازب واستبدلتها بكلمة متزوج لينضم بذلك الى المحبين الذي وجدوا نصفهم الآخر في أواخر العمر…

عزوبية الدهر يمحوها زواج آخر العمر

حين خيّر اللبنانيون بين الفوضى ومخايل الضاهر عند انتهاء عهد الرئيس الجميّل في أواخر الثمانينات، كان الشيخ الضاهر المولود في العام 1928في الستين من عمره، وكان حلم الرئاسة حينها أشد إلحاحاً عليه من كل الأحلام الأخرى، فلم يفكر بالزواج او ربما وضع الفكرة على الرف ريثما يجد من تستحق ان تكون السيدة الاولى. ولكن حين اختار اللبنانيون الفوضى، اختار مخايل الضاهر من جانبه تحقيق حلم أجمل بكثير من كرسي الرئاسة الضائع واختار كارين الصبية العشرينية الرائعة الجمال لتكون زوجة له. شكل اقترانهما حدثاً اجتماعياً لافتاً في ذلك الوقت، نظراً لفارق السن الكبير بين الزوجين الذي قارب الأربعين عاماً. لكن المودة والتفاهم جعلا الزواج يصمد ويثمرعن ولدين باتا اليوم في عمر الشباب، وما فرقته الفوضى جمعه الحب…

إذا كان زواج السياسيين المتأخر مستغرباً في القرن العشرين، فإنه في مطلع الألفية الثالثة، لا يزال يثير الكثير من التنمر وسط الناس بخاصة اذا ترافق مع فارق سن كبير بين الزوجين، وقد حظي زواج الوزير محمد الصفدي، البالغ من العمر 71 عاماً بمقدمة البرامج الشابة فيوليت خيرالله التي لم تتخط الـ37 من عمرها في العام 2015، بحصته من النقد والتنمر وكاد يتحول الى حملة ضدهما لا سيما حين رشّحها لمقعد وزاري بدلاً منه. إلا أن علاقتهما الزوجية تخطت تلك العواصف والشائعات وصمدت في وجه فوارق العمر والدين والمناصب… و”الكورونا”.

زيجات صحافية بلسمت الأحزان

إذا كان للسياسة “عرسانها” فللصحافة عازبوها المتأصّلون. لكن في حين بقي عازبو السياسة “بخيرهم” حتى زواجهم المتأخر، فإن عميدي الصحافة وأشهر عازبيها كانت لهما تجربة في الزواج المبكر تلاها ترمل مؤلم وعزوبية مستجدة، لم تجد من يكمّلها إلا في عمر متأخر.

 

النقيب محمد البعلبكي الذي امتهن مهنة المتاعب طوال حياته، كانت له تجربة مبكرة في الزواج حيث تسلل الحب الى قلبه وهو في السجن محكوماً بالإعدام، حين التقى في اواسط الستينات شقيقة “رفيق” محكوم مثله كانت تتردد الى السجن لزيارة أخيها. وكان النقيب المولود العام 1921 حينها في عقده الرابع تقريباً ونشأت بين المناضلَين قصة حب صعبة نظراً الى كون كل منها من ديانة مختلفة، لكنها تكللت في النهاية بالزواج في العام 1968 بعد تخفيف الحكم على البعلبكي من الإعدام الى المؤبد فالعفو. بعد رحيل “ماغي” زوجته الأولى أمضى النقيب عقوداً طوالاً منصرفاً الى الاهتمام بشؤون نقابة الصحافة، ونسي حياته الخاصة الى ان دخلتها في أواخر العمر صبية جميلة طموحة لها مساهمات في الشأن العام، سبق لها ان تزوجت وأنجبت ولدين، هي سحر حسين. رغم فارق السن الكبير بينهما الذي ناهز 45 عاماً تم الزواج وكان النقيب قد تخطى عتبة الثمانين من العمر. شكلت سحر حسين بلطفها ودماثتها ووقوفها الداعم الى جانب الرجل بلسماً لسنواته الأخيرة، وكانت وردة حمراء على صدره يتباهى ويفخر بها. له كتبت بعد رحيله:

“يا من مددت لي يدك العطوفة وأخذت بيدي، وتحدّيت كل الظروف والتقاليد والأعمار والبشر، وجعلتني رفيقة لدربك الجميل. يا من كنت الزوج والحبيب والصديق، وكنت لي ولأبنائنا الأب العطوف. بكرمك منحتني اسمك الكبير وحبك العظيم الراقي وطفت بي بين الكبار وبين البلاد والبشر. وتباهيت بي أمام الملأ، فكم أنت كبير أيها الكبير”.

غـسان وشـاديا

عميد الصحافة وكبيرها غسان تويني يعرف الجميع قصة حبه لناديا حمادة وزواجه من تلك الشاعرة الرقيقة على الرغم من “أرثوذكسيته” و”درزيتها”. زواجهما الذي استمر حتى رحيلها المفجع في العام 1983 شهد العديد من المراحل المؤلمة كانت أشدها رحيل ابنتهما الصغيرة نايلة لكنه صمد وازداد تماسكاً على الرغم من الألم والصعوبات. بعيد رحيل ناديا، مرّ تويني بفترة قاتمة عبر فيها صحراء عاطفية قاحلة رغم انشغالاته الكثيرة. لكن صحراءه تفتقت عن فسحة اخضرارعند لقائه شاديا الخازن النيني شقيقة الوزير وديع الخازن التي كانت بدورها خارجة من تجربة فقدان الزوج المؤلمة. أهو الحزن قد جمع بينهما؟ ام السعي لإيجاد خشبة الخلاص في الآخر للخروج من دائرة الحزن والوحدة هو ما قرب القلوب المتألمة؟ لقاؤهما الأول كان في العام 1989 في دير البلمند واسفر عن سوء تفاهم لم يتم تداركه إلا في العام 1991 الذي اعلن ولادة قصة انسجام وتفاهم بينهما تكللت بالزواج في العام 1996، وكان الرجل حينها في السبعين من عمره. عن علاقتها به قالت الخازن في حديث للزميلة “النهار”: “كنت أتساءل دائماً ما الذي أعجبه بي؟ أما الذي أعجبني به جداً، فاهتماماته التي لم تكن محصورة بمجال واحد بل تتوزّع على مجالات شتى… لم أكن أتعامل معه على أساس أنه “الرجل الكبير”، بل على أساس الانسان الذي يبدو دائماً على حقيقته”.

وقفت شاديا الى جانب غسان تويني في أحلك لحظاته حين فقد ابنه جبران رفيق دربه الصحافي والباقي الوحيد من عائلته، أمسكت بيده يوم الوداع، وبقيت الى جانب سريره في الشهرين الأخيرين من عمره في المستشفى شاهدة على ترويضه لفكرة الموت وعدم خشيته منها. منه تعلمت ان تحب الحياة وتقدرها. فالحب وحده يعيد الى الحياة ألقها وشعلتها ولو في العمر الثالث.